((الواقع الجديد)) CNN العربية – الرباط- الثلاثاء 27 سبتمبر 2016
يدخل حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية المغربية بغرض الحفاظ على رئاسة الحكومة وتكرار فوزه في انتخابات 2011، ويتسلح الحزب لهذا الهدف بقاعدته الجماهيرية وما يراها حصيلة حكومية إيجابية تعوّض معطى أساسي ساهم في فوزه عام 2011 ويتعلّق الأمر بتداعيات “الربيع العربي” التي أوصلت الإسلاميين إلى حكومة أكثر من بلد.
ويعدّ حزب العدالة والتنمية الحزب الأبرز الذي يعلن الإسلام مرجعية له في المغرب، فبسبب هذه المرجعية، وماضي عدد من قياديي الحزب، من بينهم أمينه العام عبد الإله بنكيران، عندما كان ينتسبون إلى تنظيمات إسلامية، شهد مسار تأسيس الحزب الكثير من المنعرجات.
بدأ بنكيران وإخوانه العمل السياسي في كنف تنظيم “الشبيبة الإسلامية” سنوات السبعينيات، وهو تنظيم أتى في إطار المد السياسي الذي رفع شعار “الإسلام هو الحل”، إلّا أن التهم التي وجهت للتنظيم بالتورط في اغتيال المعارض الاشتراكي عمر بنجلون، أدت إلى حل “الشبيبة الإسلامية”، فقام بنكيران وإخوانه بتأسيس “الجماعة الإسلامية” عام 1983، إلّا أن هذا الاسم استبدل فيما بعد وأضحى حركة “الإصلاح والتجديد”.
سعت هذه الحركة إلى دخول المعترك السياسي، وأبدت الكثير من الإشارات الودية، خاصة موقفها الإيجابي من تعديل دستور 1992، وتأييدها الصريح لإمارة المؤمنين حتى لا يظهر أنها تنازع المؤسسة الملكية في دورها الديني، لذلك حاول بنكيران وأصدقاؤه تأسيس حزب من داخل الحركة يحمل اسم “التجديد الوطني”، إلّا أن السلطة لم تمنح الحزب وصل التأسيس.
ظهر حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية منقذًا لإخوان بنكيران، فهذا الحزب الذي انشق عن الحركة الشعبية عام 1967، وتزعمه المقاوم الراحل عبد الكريم الخطيب، كان وجوده في الساحة السياحية شبه مجمد، لذلك دخل غالبية أعضاء حركة الإصلاح والتجديد في هذا الحزب عبر مؤتمر استثنائي عام 1996.
في السنة ذاتها، انتهت حركة “الإصلاح والتجديد” باندماجها مع رابطة المستقبل الإسلامي وحركات دعوية أخرى لينتج عن ذلك حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي الحالي لحزب العدالة والتنمية، وفي عام 1998، تقرّر تغيير اسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية إلى حزب العدالة والتنمية.
في أول مشاركة عام 1997، حصل الإسلاميون على 14 مقعدًا، وحصل في انتخابات 2002 على 42 مقعدًا، ثم تطور ذلك إلى 46 مقعدًا عام 2007، وبقي الحزب رغم هذا التطور في المعارضة إلى أن اكتسح انتخابات 2011 بـ107 مقعدًا ويترأس أول حكومة بعد الدستور الجديد.
تبقى القوة التنظيمية من أكبر إيجابيات الحزب، إلّا أن الكثير من الانتقادات وجهت له، منها معارضته لـ”الربيع العربي” رغم استفادته منه، وعدم إيقافه وهو على رأس الحكومة لعدد من الظواهر السلبية بالمغرب كاقتصاد الريع، زيادة على استمرار تخبط السياسة التعليمية، فضلًا عن قبوله إدخال التكنوقراط في الحكومة، وتذرعه بوجود “التحكم” الذي منعه من اتخاذ قرارات حاسمة، زيادة على استخدامه بشكل كبير الخطاب الأخلاقي لما كان في المعارضة.
خالد الرحموني، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية: لم يتدخل أحد في قراراتنا الداخلية
هناك من يرى أن الدولة كانت تتخوّف من فكر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ويستدل على ذلك بعدم السماح للحزب بتغطية كل الدوائر الانتخابية في سنوات مشاركته الأولى؟
الرحموني: الحزب استفاد مما وقع للتجربة السياسية لليسار المغربي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وما وقع للعديد من الحركات الإسلامية من حولنا عبر العالم، واستفاد من كل ذلك بعد قراءته نقديا لمجمل تلك التجارب والاخفاقات. فكثير من هذه الحركات استسهلت توتر علاقتها بأنظمتها الى حد الصراع والمغالبة على الحكم، وأسهم سلوكها السياسي الصدامي في تردي وضعيتها السياسية وإلى تكريس عزلتها وهامشيتها.
قرارات تقليص حجم المشاركة الانتخابية في البدايات اتخذناها انطلاقًا من مسؤوليتنا كمغاربة وهي من صميم تجربتنا الخاصة دون تدخل طرف آخر، ومن مسؤوليتنا كأفراد يحبون وطنهم واستقراره ومؤسساته وثوابته الوطنية، والمهم أن سلوكنا السياسي العام قبل وبعد هذه المراحل السياسية لم يقع فيه تغيير كبير، والمهم أن الحزب يسير وفق استراتيجية قاصدة واعية موزونة تراهن على التراكم والانجاز والائتلاف والمشاركة مع القوى الوطنية والمؤسسات الدستورية دون أن يقصد الهيمنة.
تثير حصيلة الحزب على رأس الحكومة الكثير من الجدل. الحزب يفاخر ببعض الأرقام، في حين يقول معارضوه وجزء واسع من الشارع المغربي إن الحزب لم يتوفر على الجرأة السياسية لتطوير البلاد؟
الرحموني: هذه حكومة الجرأة والصراحة والمصداقية والشجاعة في الموقف، فالحزب-القائد للتجربة وكذا حلفائه لم تنهكهم السلطة، والسنوات التي قضاها الحزب في تدبير السياسات العمومية كانت في مجملها عطاء للوطن. لقد ساهم الحزب في مصالحة الناس مع السياسة وكانت له ولقادته ووزرائه الجرأة والشجاعة على مباشرة اصلاحات هيكلية لم يسبقهم إليها أحد.
الحزب يركز على الإصلاحات الهيكلية ذات التأثير في مختلف القطاعات الإنتاجية والاجتماعية، وحصيلة الحكومة الحصيلة كانت إيجابية في عمومها مما يتطلب مزيدا من الاصرار على استئناف التجربة وتجديد التعاقد حولها، كما أنه على المستوى السياسي لم تقع أي أزمة سياسية أو دستورية أو مؤسساتية. بالطبع هناك نقائص سنعمل وفق المستطاع على تداركها وتجاوزها، لكن الحكومة استكملت كامل ولايتها في وسط ارتفاع غير مسبوق لشعبية مكوناتها وأساسا العدالة والتنمية.
من غالبية خطاباتكم، يظهر أن التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة خط أحمر. لماذا لا تتخذون الموقف نفسه من أحزاب قريبة في مشروعها من هذا الحزب؟
الرحموني: التحالفات السياسية تكون بعد الانتخابات والإعلان عن نتائجها، لكن الموقف من البام هو مرتبط بكونه يرمز للسلطوية، بل هو جزء من أذرعها الحزبية في المشهد السياسي. لذلك فالموقف واضح: لا يكمن ان نجتمع معه في صيغة واحدة وفي حكومة واحدة.
من الواضح أن دخولنا المعترك السياسي وتدبيرنا الناجح والايجابي للشأن العام أزعج الكثير من القوى السياسية التي لا تكن ودا للتجربة الديمقراطية ولها تأفف من الانتخابات وتكريس السيادة الشعبية باعتبار الشعب مصدر السلطات كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة، لكننا نعتبر أن من علامات نضج الممارسة السياسية اتساع نطاق الأرضية المشتركة بين مختلف مكونات الساحة السياسية الديمقراطية للتصدي للسلطوية وبناء نموذجنا الديمقراطي، وفي هذا الإطار يأتي التعاون مع حزب التقدم والاشتراكية أساسا وغيره من القوى السياسية.
هل صحيح أنكم تريدون فرض توجه إسلامي مغاير لما يعرفه المغاربة؟ وأنكم تحاولون ما أمكن استغلال الدين في السياسة؟
الرحموني: لا أبدا. العدالة والتنمية حزب سياسي بمرجعية اسلامية وليس حركة دينية أو تيار مذهبي. لا نسعى لتغيير نمط المجتمعي للمغاربة ولا للهيمنة على منطقهم في الحياة ولا لأولوياتهم ولا التدخل في حياتهم الخاصة ولا التضييق على حرياتهم العامة والفردية، فالحزب جاء ليساهم في تطوير التنمية في البلد.
الدين الاسلامي –الذي يشكل مرجعية الدولة والمجتمع-هو مرجعية موجهة لفعلنا العام، وفرق بين أن تجعله مصدر استلهام لمنظومة القيم وبين أن تستغله لتبرير المصالح وتوطين الاستبداد. نحن لا نستغل الدين ولا نستمله بشكل انتهاري، بل الدين هو موجه لضميرنا ومؤطر لحياتنا. وهو ثابت من الثوابت الحضارية والتاريخية للأمة المغربية.