الواقع الجديد)) الاحد 1 يناير 2017م/المكلا
إنه جهاز دفاعى ومناعى هام وجدير بالمعرفة لتكوينه البديع يعتبر الجلد خط الدفاع الأول للجسم بوجه عام ، فهو بطبقاته المتراصة بإتقان وإحكام يشكل سياجاً منيعاً ودرعاً يحول وصول الميكروبات والمواد الضارة إلى أعضاء الجسم الدقيقة ، كما يوجد به مستقبلات للإحساس بالألم واللمس والضغط والحرارة ، ويؤدى الجلد أيضاً دوراً حيوياً ومتميزاً ، وهو تنظيم الحرارة حول المعدل الطبيعى ، ويتكون من الطبقات التالية :
• البشرة :
إذا تأملنا البشرة ، وهى الطبقة الخارجية للجلد ، نجد أنها مهيئة تماماً لأن تكون خطاً دفاعياً ودرعاً واقياً ، حيث تتألف الطبقة الشطحية من البشرة ، وهى القرنية ، من خلايا تحتوى على بروتين يسمى
” الكيراتين – Keratin ” وتتميز هذه الطبقة بكونها سياجاً يحول دون مرور الميكروبات والمواد الضارة إلى أعضاء الجسم الداخلية ، فبالرغم من أن الجلد معرض دائماً باستمرار للغزو الميكروبى ، إلا أن هذه الطبقة السطحية للجلد بطبيعة تكوينها لا تسمح بنفاذ الميكروبات داخل الجسم ، ومن ناحية أخرى :
فإن المواد الحمضية التى تفرزها الغدد العرقية مع العرق والأحماض الدهنية الموجودة فى الإفرازات الدهنية للجلد .. هذه المواد شأنها مقاومة الميكروبات التى تغزو الجلد .
* وبالرغم من أن الجلد مُهيأ لمقاومة الميكروبات الضارة والقضاء عليها ، إلا أن هناك نوعيات من الميكروبات تستطيع أن تتعايش مع الطبقة السطحية للجلد .. ويطلق على هذه الميكروبات إسم :
” الميكروبات الصديقة أو النافعة ” ، فهى بكتيريا لا تمثل خطراً على الجلد ، بل بالعكس فإنها تشكل خطاً دفاعياً آخر ضد الميكروبات الضارة ، حيث يترتب على الميكروبات النافعة للطبقة السطحية من الجلد القضاء على الميكروبات الضارة .
ولا يقتصر دور الميكروبات النافعة على مقاومة الميكروبات الضارة فحسب ، بل إنها تؤدى دوراً وقائياً آخر
حيث إنها تقوم بعملية تنظيف مستمر للجلد ، فهى تتغذى على خلايا الجلد الميتة والتى لم يعد الجلد فى حاجة إليها ، كما تتغذى على الإفرازات الجلدية الزائدة عن الحاجة وتقوم بتنظيف الجلد من القاذورات العالقة به .
* وتجدر الإشارة إلى أن أهم العوامل التى تساعد على القضاء على الميكروبات النافعة هو ترك بقايا الصابون على الجلد بعد الإستحمام أو الغُسل ، فهذا الصابون يقضى على الميكروبات النافعة ويسلب الجلد هذا الخط الدفاعى ، ويترتب على ذلك انتعاش الميكروبات الضارة ، بالإضافة إلى أن قلوية الصابون تعادل حمضية الجلد التى تعتبر من أهم عوامل مقاومة الميكروبات الضارة .
ومن خصائص الطبقة السطحية للجلد :
أنها تسمح بمرور الماء وما يحتوية من أملاح ومواد كيميائية أخرى من داخل الجسم إلى خارجه ، ولكن هذه الطبقة لا تسمح بمرور الماء وكثير من المواد الكيميائية من خارج الجسم إلى داخله .
.. وفى هذه الخاصية نظرة تأملية :
فخروج الماء ومحتوياته على هيئة عرق من الداخل إلى الخارج له وظيفة حيوية هامة :
وهى إخراج المواد الضارة من الجسم ومقاومة الميكروبات وترطيب البشرة وتنظيم درجة حرارة الجسم .
أما العكس وهو دخول الماء والمواد الكيميائية من الجلد إلى داخل الجسم فإنه يمثل خطراً على صحة الإنسان وحياته ،
فنتخيل مثلاً :
أن رجلاً يسبح فى ماء البحر أو النهر أو يغتسل بماء يحتوى على مواد كيميائية ، فلو أن الماء له قدرة النفاذ عبر طبقات الجلد إلى الجسم :
لامتلأ جسمه بالماء والأملاح والمواد الضارة … وهذا يمثل خطراً على حياته .
ومن الأشياء التى تدعو إلى التأمل فى تكوين الجلد :
أن هناك أجزاء منه تتميز بأنها أكثر سُمكاً من باقى الأجزاء ، كما أن هناك أجزاء أكثر رقة من الأجزاء الأخرى ، فالطبقة الخارجية لراحة اليد وباطن القدم تختلف فى سُمكها عن باقى أجزاء الجلد مما يتلاءم مع عمل اليد والقدم ، فهذان العنصران معرضان بصفة دائمة للإحتكاكات والصدمات والضغوط .
لذلك :
فإن سُمك الطبقة الطبقة الخارجية فى جلد راحة اليد وباطن القدم يكسب هذين العضوين صفة وقائية .
وإذا كانت سُمك الطبقة السطحية تكسب صفة وقائية لبعض أجزاء الجلد ، فإن رقة هذه الطبقة فى أجزاء أخرى تمثل صفة وقائية أيضاً .
فالشفاه : تتميز برقة الطبقة السطحية فى الجلد ، ولذلك يجعلها أكثر إحساساً من أجزاء كثيرة فى الجلد ،
ولذلك :
فإننا حينما نتاول سائلاً ساخناً أو شديد البرودة ، أو مادة مثيرة للأعصاب الحسية للجلد ، فإن أول ما يدرك السخونة أو البرودة أو الإثارة العصبية هو .. جلد الشفاه ،
وفى هذا حماية لبطانة الفم – الأكثر تأثراً وإحساساً – من المؤثرات الضارة التى إن وصلت إلى داخل الفم فإنها تسبب إصابات قد تمثل خطورة بالغة على بطانة الفم .
وعندما نتأمل الطبقة الجلدية الموجودة فى أطراف أصابع اليدين والقدمين نجد أنها مغطاة بالأظافر ، وفى هذا الغطاء وقاية من الإحتكاكات والصدمات .
الأدمة :
بالرغم من أن طبقة البشرة بها مقومات وإمكانات وقائية عديدة كفيلة بإكساب الجلد خاصية الحصن المنيع ضد الميكروبات والمواد الضارة ، إلا أن هناك طبقة أخرى موجودة تحت البشرة يطلق عليها اسم الأدمة ، وتحمل صفات وقائية أيضاً ..
هذه الطبقة تمثل أكبر سُمك فى الجلد وتعتبر خط دفاع آخر كما أن لها وظائف أخرى عديدة .
وفيما يلى يتعلق بالجانب الدفاعى المتعلق بالأدمة :
فإن بها مقومات عديدة تجعلها من أهم الخطوط الدفاعية بالجلد ، فهى تحتوى على الغدد التى تفرز العرق ، وهو سائل يحتوى على مواد حمضية تساعد فى مقاومة الميكروبات ،
وهناك غُدة أخرى هى الغُدة الدهنية SEBACEUOS GLAN
التى تفرز مادة دهنية تحتوى على مواد مضادة للبكتيريا والفطريات ، كما تساعد المادة الدهنية فى منع جفاف وتشقق الجلد ، وبخاصة إذا تعرض للحرارة أو آشعة الشمس .
ويوجد فى طبقة الأدمة الأوعية الدموية والليمفاوية ، وهى أوعية تحتوى على خلايا ومواد تساعد فى مقاومة الغزو الميكروبى ، كما أن الدم الذى يخرج من الأوعية الدموية على أثر إصابة الجلد بجرح أو قطع أو خدش .. هذا الدم يساعد فى التئام الجرح ومنع مضاعفاته ، حيث إن الدم له خاصية التخثر ( تكوين الجلطة ) التى يترتب عليها إغلاق الجزء المفتوح من الجلد وتوقف الإدماء وتقليل مضاعفات الجرح .
وهناك فى طبقة الأدمة مقومات تساعد فى وقاية الجسم من البرد ، حيث توجد عضلات متصلة بجريبات الشعر .. هذه العضلات تنقبض تلقائياً على أثر تعرض الجلد للبرد ، ويؤدى هذا الإنقباض إلى توليد حرارة تساعد فى تدفئة الجسم المعرض للبرد ، وتظهر انقباض العضلات فى حالة التعرض للبرد أو فى حالة انخفاض درجة حرارة الجسم على هيئة قشعريرة سرعان ما تبعث الدفء فى الجسم .
وينتشر فى طبقة الأدمة أيضاً :
أجهزة استقبال تسمى المستقبلات الحسية ، وهى التى تجعلنا نحس بالمؤثرات الخارجية حولنا ، وإذا تأملنا هذه المستقبلات نجد أن بعضها مهئ لإحساس نوعيات أخرى من المؤثرات والبعض الآخر مهئ لإحساس نوعيات أخرى .
فهناك مستقبلات الحرارة Thermoreceptors ، وهى مستقبلات تجعلنا نميز بين الساخن والبارد ونقدر بها درجة الحرارة أو البرودة .
ومن ناحية أخرى فإنها تؤدى دوراً دفاعياً ، فإذا لامس الجلد جسم أو سائل شديد السخونة أو البرودة ، نجد أن العضو الملامس ( اليد مثلاً ) سرعان ما يبتعد عن مصدر السخونة أو البرودة .. ويحدث ذلك فى أقل من ثانية وتمثل هذه الصفة الوقائية السريعة حماية للجلد من التلف ، حيث إن الإستمرار فى ملامسة السخونة أو البرودة الشديدة يؤدى إلى حدوث إصابات فى الجلد .
وتؤدى مستقبلات الحرارة وظيفة أخرى فى غاية الأهمية :
وهى تنظيم درجة حرارة الجسم ، فبسبب وجود هذه المستقبلات تبقى درجة حرارة الجسم ثابتة عند :
( 8 ,36 درجة مئوية تقريباً ) فى الحالات الطبيعية ، ولا ترتفع هذه الدرجة أو تنخفض إلا فى الحالات المرضية .
ولكى نبين أهمية درجة حرارة الجسم عند حد معين نقول إن الإرتفاع أو الإنخفاض عن هذا الحد يؤدى إلى حدوث اضطرابات فى وظائف أعضاء الجسم والتفاعلات الحيوية التى تجرى بداخلها ، وقد يؤدى الإرتفاع أو الإنخفاض الشديد فى درجة الحرارة إلى الوفاة .
وقد يتساءل البعض :
كيف تنظم مستقبلات الحرارة بالجلد درجة حرارة الجسم ؟
وقبل أن نرد على هذا التساؤل نقول :
إن الطريقة التى تنظم بها مستقبلات درجة الحرارة تدعو إلى التأمل فى بديع صنع الخالق عز وجل .. فالجسم فى حالة مستمرة من التفاعلات التى يترتب عليها إنتاج طاقة حرارية هائلة ، وبدون تنظيم دقيق لدرجة الحرارة فإن الطاقة الحرارية الزائدة تسبب إرتفاعاً شديداً فى درجة الحرارة .. هذا الإرتفاع يمثل خطورة على حياة الإنسان .
وقد يتعرض الجسم لجو ساخن جداً أو جو شديد البرودة ، وبالرغم من ذلك نجد أن حرارة الجسم تبقى دائماً ثابتة لا ترتفع أو تنخفض بالدرجة التى تؤدى إلى إلحاق الضرر والهلاك بالجسم .
فحينما نتعرض لجو ساخن مثلاً ، فإن مستقبلات الحرارة تستقبل المؤثر الحرارى ( سخونة الجو ) حيث ينتقل هذا المؤثر عبر أسلاك خاصة ، وهىالأعصاب الحسية ، إلى مركز خاص موجود بالمخ يطلق عليه إسم مركز تنظيم الحرارة ، حيث يستجيب هذا المركز للمؤثر الحرارى وذلك بإصدار إشارة إلى الغدد العرقية الموجودة بالجلد لتفرز العرق الذى يسبب تبخره إنخفاض درجة الحرارة
( البخر تصحبه برودة ) ، ومن ناحية أخرى فإن هذا المؤثر الحرارى يستجيب له مركز تنظيم الحرارة بالمخ ، وذلك بإصدار الأمر إلى الشعيرات الدموية المنتشرة بالجلد كى تتمدد وتتسع ويتدفق فيها مزيد من الدم ، ويؤدى هذا الحدث إلى فقدان الحرارة الزائدة عن طريق زيادة التوصل والإنتقال والإشعاع الحرارى .
الأمر يختلف حينما يتعرض الجسم لجو بارد ..
فى هذه الحالة تستقبل مستقبلات البرودة المؤثر البارد الذى ينتقل عبر الأعصاب الحسية إلى المراكز الموجودة بالمخ التى تستجيب لهذا المؤثر استجابات تؤدى إلى منع إفراز العرق ، وتؤدى أيضاً إلى انقباض الشعيرات الدموية المنتشرة بالجلد ، ويترتب على هذا الإنقباض تقليل فقدان حرارة الجسم .
إلى جانب مستقبلات الحرارة والبرودة المنتشرة بالأدمة :
هناك مستقبلات أخرى للمس Thouch والضغط Pressure
والآلم Pain ..
وجميعها يؤدى دوراً وقائياً للجسم ، فمستقبلات اللمس تجعلنا نميز بين الناعم والخشن وبين الأجسام المختلفة ، فمثلاً إذا لامس الجلد حشرة أو جسم غريب ، فإن مستقبلات اللمس تجعلنا ندرك أن هذا شيئاً غريباً يلامس الجلد ، وتجعلنا نحدد مكان هذا الشئ الغريب دون أن تراه العين ، ولذلك نجد أنه حينما تقف ذبابة أو بعوضة على الوجه فإن اليد سرعان ما تتحرك تلقائياً نحو الحشرة لإبعادها عن الوجه .
أما عن مستقبلات الضغط :
المنتشرة فى الجلد فإنها تجعلنا نحس بأى زيادة فى الضغط الواقع على أى جزء من أجزاء الجلد ، فمثلاً عندما يزداد الضغط على جلد القدم بارتداء حذاء ضيق ، فإن الإحساس بالضغط الزائد يجعلنا نتخلص من هذا الحذاء قبل أن يلحق الضرر بالقدم .
وقد يتساءل الكثير منا ؟ :
لماذا الألم ؟ هل هو عذاب أم رحمة ؟ هل هو نعمة أم نقمة ؟
وللرد على هذه التساؤلات :
نقول إنه إذا كان ظاهر الألم عذاباً ونقمة ، فإن باطنه رحمة ونعمة ، فمستقبلات الألم المنتشرة بالأدمة تجعلنا نستشعر الأذى قبل استفحاله ، فمثلاً حينما تلامس اليد النار أو أى مادة تسبب الألم فإن اليد سرعان ما تبتعد عن مصدر الألم وسرعان ما يتحرك الشخص المصاب لإجراء الإسعافات الأولية لمنع أو لتقليل المضاعفات التى قد تنجم عن مؤثر الألم .
ولكى نوضح أن الألم نعمة وليس نقمة :
إن الإنسان لا يدرك هذه النعمة إلا بعد فقدها ، فهناك أمراض يكون من مضاعفاتها فقدان الإحساس بالألم
( مضاعفات مرض السكر مثلاً ) ،
وقد يؤدى هذا الفقدان إلى مضاعفات مرضية خطيرة ، فمثلاً حينما يفقد مريض السكر الإحساس بالألم : فإنه قد يصاب بجروح أو تهتك دون أن يشعر أنه مصاب ، فإذا ارتدى حذاءً ضيقاً مثلاً ، فإن الحذاء قد يسبب له إصابات فى القدم دون أن يشعر لأنه فاقد الإحساس بالألم ، وقد تطور هذه الإصابة إلى مضاعفات خطيرة ، مثل الغرغرينا ، التى يتحتم بتر العضو المصاب بها لإنقاذ حياة المريض .
الأنسجة التحت جلدية :
تؤدى الأنسجة الموجودة تحت الجلد ، وبخاصةالنسيج الدهنى :
دوراً وقائياً فى غاية الأهمية لصحة الإنسان ، فهذه الأنسجة تساعد فى وقاية العضلات والأعضاء الداخلية الأخرى من الصمات والرضوض ، كما تعمل هذه الأنسجة مع طبقات الجلد المختلفة بمثابة العازل الحرارى ، فالحرارة لا تنتقل بسهولة عبر هذه الطبقات المختلفة ، وبخاصة الطبقات الدهنية .
فطبقات الجلد والأنسجة تحت الجلدية تعتبر لباساً يقنا من البرد والحر ، كما يقينا من كل بأس فحينما تصطدم أجسامنا بأشياء صلبة ، أو تتعرض طبقات الجلد للضغط أو الأذى ، فإن الجلد يمتص الصدمات ويتحمل الأذى ..
وفى هذا وقاية للأعضاء الداخلية الرقيقة التى لا تتحمل مثلما تتحمل هذه الطبقة السميكة من الجلد التى أعدت لتكون درعاً واقياً وحصناً منيعاً .