الواقع الجديد “السبت 13 يناير 2024م / رامي الردفاني
ان التصالح والتسامح من اروع القيم الإنسانية النبيلة التي تتخطى بها الشعوب عثرات الماضي للانطلاق نحو المستقبل وازدهار الاوطان وضمان حق الاجيال بالعيش الكريم , لذلك يحتفل الشعب الجنوبي بالذكرى الـ ” 17″ لإعلان التصالح والتسامح، الذي تم تدشينه في جمعية ردفان الخيرية في عدن عاصمة الجنوب يوم 13 يناير 2006م ليتم الاحتفال بهذه الذكرى سنوياً بمشاركة جماهيرية كبيرة، وفعاليات شعبية وثقافية وسياسية متنوّعة.
فقبل إعلان التصالح والتسامح، عصفت بدولة الجنوب منذ قبل إنشائها في نوفمبر 1967 جولات من الصراعات السياسية بخلفية مناطقية، تخللتها مواجهات عسكرية محدودة وأعمال انتقام، لكنها تُوّجت بالصراع القاسي بين أجنحة النظام الاشتراكي- الذي حكم الدولة – في يناير/كانون الأول الدامية عام 1986، الذي استمر لثلاثة أيام متتالية، سقط خلاله آلاف الضحايا من المدنيين والنخبة الحاكمة.
مثلّت الأحداث العسكرية التي شهدها الجنوب في السابق “ضربة قاصمة” لتماسك ومصير البلد، حيث ساهمت في دفع قادة النظام نحو وحدة “غير محسوبة”، سهلّت للنظام اليمني في صنعاء، اجتياح الدولة التقدّمية الفريدة في جنوب الجزيرة العربية بالقوة العسكرية في عام 1994، مستغلاً الخلاف الذي كان حديثاً بين نخبها السياسية آنذاك، وطرد حكّامها إلى المنفى، ومضى بتفكيك مؤسسات الدولة والسيطرة عليها بشكلٍ كامل.
لهذه الأسباب كان على القيادات العسكرية والسياسية الجنوبية التي كانت تستعد لإطلاق حركة الاحتجاجات الجنوبية “الحراك الجنوبي” في العام 2007م ، ضد النظام الشمالي الذي يتحكم ببلدهم، وضع قواعد متينة لإنجاح مساعيها لاحقاً فكان التصالح والتسامح نقطة الانطلاقة نحو الاتجاه الصحيح .
” مداواة الجروح”
يقول مدير مكتب المجلس الانتقالي الجنوبي في أوروبا، وأحد المساهمين في تأسيس مشروع التصالح والتسامح، أحمد عمر بن فريد “قبل أن تتحرك المسيرة الوطنية الجنوبية كانت هناك نوع من الجروح التي كانت لا تزال موجودة نتيجة الأحداث السابقة، ومن المهم جداً الإشارة هنا، إلى أنّ مشروع التصالح والتسامح لا يخص 13 يناير فحسب، لكنه في الحقيقة يختص بكل الصراعات التي مرت على الجنوب حتى بمرحلة قبل الاستقلال”.
” تلاحم النسيج الإجتماعي “
وكتب اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي قائلًا:” سبعة عشر عاماً مرت على تبني شعب الجنوب العظيم لمبدأ التصالح والتسامح انطلاقاً من العاصمة عدن، في موقف جمعي يشهد له التاريخ بتحويل الذكرى المأساوية إلى مناسبة تؤسس لتلاحم النسيج الاجتماعي الجنوبي، وذلك في الثالث عشر من يناير 2006م”
برغم كل المحاولات الاستخبارية والقمعية العسكرية والأمنية لآلة الاحتلال اليمني للجنوب، ووصولاً إلى رأس هرم السلطة للتحريض العلني والسري من أجل وأد مشروع التصالح والتسامح، إلا أن إرادة الشعب الجنوبي تجاوزت كل ذلك، وتجلت نتائج هذا المبدأ بعد عام ونصف من إعلانه، من خلال انطلاق فعاليات الحراك السلمي الجنوبي بشكل رسمي في السابع من يوليو 2007م، والذي بدوره أدى إلى تفكك المتآمرون على الشعب الجنوبي “
” ركيزة صلبة “
وقال فضل الجعدي الأمين العام للأمانة العامة لرئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي : ” شكل نهج التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي الركيزة الصلبة لانطلاق مسيرة ثورة الحراك الجنوبي السلمي ، وتبديد الرهانات القائمة على تمزيق صف شعبنا وتشتيت قواه المناضلة ، كمدخل لإضعاف قضيتنا الأم وإشغال شعبنا في صراعات هامشية ، عن هدفه وغايته الأسمى باستعادة وبناء دولته الفيدرالية المستقلة على حدود الدولتين قبل مايو 1990م ، وحياكة المؤامرات والدسائس وتصدير الارهاب ضد شعبنا ووطننا , واستمرار محاولات تفكيك النسيج الاجتماعي الجنوبي ونشر الشائعات وتفقيس المكونات الهلامية هنا وهناك لضرب تسامح وتصالح ابناء الجنوب واضعاف ارادتهم وتمزيق صفهم المقاوم”
” بادرة عظيمة”
نائب رئيس اتحاد شباب الجنوب الأستاذ حسين أحمد السعدي قال:” أن ذكرى التسامح والتصالح الجنوبي بادرة عظيمة وتعتبر من أعظم المراحل التي تجاوزها وحققها شعبنا الجنوبي من أجل التخلص من الأحقاد والضغائن التي أفرزتها الصراعات السياسية في الجنوب خلال المراحل السابقة وهو ما عكس صورة حية لواقعنا اليوم وما يشهده الشارع الجنوبي من تلاحم أخوي في سبيل وحدة اللحمة الجنوبية ونبذ كل الخلافات السابقة وهو في الحقيقة مبدأ وإنجاز تاريخي محسوب لكل الشرفاء من أبناء الجنوب”
وأضاف : “ان الدولة الجنوبية لن تأتي الا بتصالحنا مع انفسنا اولاً ثم مع كل القوى السياسية والمجتمعية وذلك لأجل بناء الدولة اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً والحفاظ على المكتسبات الوطنية التي تحققت خلال الفترة القليلة الماضية واننا نشيد بكل الرجال المخلصين الذين يعملون ليل نهار من أجل حياة كريمة لشعبنا في الجنوب” منوهًا أنه لا مكان للفاسدين بيننا وان عجلة التغيير ستطال كل فاسد ولن يبقى إلا المخلصون للوطن وشعبة وان الواجب الوطني يحتم على الجميع العمل بفريق واحد لأجل تصحيح الاختلالات الاقتصادية في سبيل النهوض بالوطن وايجاد الحياة الكريمة المستديمة لشعبنا في الجنوب”
” صفحة بيضاء “
وكتب ” منيف خالد” حول هذه الذكرى : ” ذكرى التصالح والتسامح صفحة بيضاء طوت احداث الماضي التي أنهكتنا جميعاً كان قد غرق الجنوبيين سنوات طويلة في البكائيات واعتبروا أن 13 يناير آخر التاريخ ؛؛ واعتبر البعض تلك المصيبة للتوطين بأس سرمدي في النفوس، فلا أمل في استعادة الدولة الجنوبية ولا جدوى منها حسب اعتقادهم. وعلى اعتبار ان آخر شمس طلعت على دولة الجنوب كانت قبل الساعة العاشرة من صباح يوم الأثنين الثالث عشر من يناير “
” أرضية صلبة “
يقول السياسي والقانوني الجنوبي يحيى غالب الشعيبي، كان “للتصالح والتسامح الجنوبي دور فعّال في تأسيس وانطلاق الحراك الجنوبي وكان الأرضية الصلبة – ولا يزال – التي يسير عليه قطار الثورة الجنوبية”.
ويضيف الشعيبي، وهو أحد المساهمين في تأسيس هذا المشروع، لقد “كان التصالح والتسامح الحلقة المفقودة في مسار وانطلاق عجلة الثورة وشكّل عامل ثقة وركن زاوية” لها”.
ويرى الشعيبي بأنّ “فترة 2015 كانت عامل النصر الجنوبي للمقاومة الجنوبية في عدن وأرجاء الجنوب وكان النصر بسبب التصالح والتسامح والثقة المتبادلة بين رجال السلاح والتصالح والتسامح”
الباحث السياسي بدر محمد قال ” يتطلب التصالح والتسامح روحاً توافقية على المصلحة العليا للجنوب في هذا الظرف السياسي والعسكري الهام والخطير”. ويشدد على ضرورة “الاتفاق على كل ما من شأنه تعزيز روح الشراكة والاتحاد”، حيث يرى أنّ “مشروع الدولة الجنوبية هو مشروع دولة اتحادية”.
وأضاف :” على الرغم من أنّ مشروع التصالح والتسامح، استطاع إلى حدٍ ما من ترسيخ قيم الاختلاف السياسي وحرية التعبير. إلّا أنه ينبغي على القوى الوطنية أنّ تعزز بصورة أعمق من نهج الحوار واتخاذه ركيزة أساسية لتجاوز كل الخلافات”
“فخر واعتزاز “
يتفاخر الجنوبيون بترسيخ مشروع التصالح والتسامح، كدليل قل نظيره يعكس مستوى الوعي الوطني والأخلاقي الذي جسّدوه، بعد تجاوز الماضي الأليم، والتأكيد على الاستفادة منه وترسيخ قيمه الوطنية، كما يقولون, لذلك أطلق عدد من الناشطين والإعلاميين الجنوبيين عشية ذكرى التصالح والتسامح هاشتاق #الجنوب_ارضنا_والاستقلال_هدفنا