الواقع الجديد “الخميس 07 ديسمبر 2023م / خاص
بين القرصنة البحرية على السفن المارة في المياه الدولية بالبحر الأحمر وطمأنة المجتمع الدولي، يستمر تخبط ميليشيا الحوثي الإرهابية، ذراع إيران في اليمن، وتهورها الذي تسبب باستقدام عشرات البوارج الحربية والغواصات إلى قبالة سواحل ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتها.
ومع كل تهديد تطلقه الميليشيات الحوثية للسفن المارة في المياه الدولية ولها ارتباط ولو جزئي بإسرائيل، تذهب إلى طمأنة العالم بأن البحر الأحمر منطقة آمنة للملاحة والتجارة الدولية ومرور السفن، وهما تصريحان يناقضان بعضهما في ظل القرصنة التي تستهدف السفن بزعم انتمائها لإسرائيل.
وكانت آخر هذه التهديدات لوزير الدفاع في حكومة صنعاء، غير المعترف بها دولياً، محمد العاطفي، الذي هدد بإنزال الضربات الموجعة والاستيلاء على أي سفينة لها ارتباط بإسرائيل، وفي الوقت نفسه طمأن العالم بأن البحر الأحمر آمن.
واستولى الحوثيون المدعومون من إيران، في نوفمبر الماضي، على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر” في جنوب البحر الأحمر وقالوا إنها مملوكة لإسرائيل، في الوقت الذي تؤكد فيه المعلومات أن السفينة مملوكة لشركة بريطانية وتديرها مجموعة يابانية تتفاوض حالياً مع النظام الإيراني من أجل سلامة طاقم السفينة.
كما تطلق الميليشيات الطائرات مسيرة المفخخة والصواريخ على السفن المارة بالبحر الأحمر دون وضع أي اعتبار لوجود سفن أخرى في المنطقة.
لكن الطمأنات التي تطلقها الميليشيات، لا تغطي التهديدات التي تسبقها وأعمال القرصنة التي تستهدف السفن المارة من مياه البحر الأحمر، وهو ما يعني في النهاية فقدان باب المندب لموقعه الاستراتيجي، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على قناة السويس المصرية.
ويفصل باب المندب، وهو ممر ضيق بين اليمن وجيبوتي وبين البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، وله أهمية كبرى في خطوط الملاحة البحرية خاصة في نقل شحنات النفط العالمية، ويمر عبره ما معدله 17 ألف سفينة شحن وناقلة نفط سنويا، وفق مجلة “سي باور”.
ويبلغ عرض باب المندب 18 ميلا (حوالي 29 كلم) في أضيق نقطة له، مما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على مسارين للشحنات الواردة والصادرة، وفق تقرير لوكالة رويترز.
ويعد أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، إذ يعبره حوالي خُمس الاستهلاك العالمي من النفط.
وبحسب تقرير نشرته الإيكونومسيت، فإن اليمن يعتبر منطقة مثالية لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، إذ تمتلك جماعة الحوثي مخزونا من الصواريخ المضادة للسفن، ما يجعلهم قادرين على تهديد أي سفينة تعبر في مضيق باب المندب الذي يمر عبر الساحل اليمني.
ووفق تقرير لوكالة فرانس برس تمر نحو 50 سفينة تجارية يوميا عبر مضيق باب المندب، فيما تمر حوالي 115 سفينة تجارية من مضيق هرمز الذي يفصل بين مياه الخليج من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.
كما تعتبر طرق الملاحة البحرية في هذه المنطقة أساسية للشحن والنفط والغاز المسال الذي يتم نقله إلى أوروبا.
ويؤكد تقرير للجيش الأميركي، أن هذه المنطقة تعتبر “ساحة مواجهة بين القوى العظمى التي تحاول تعزيز وجودها ونفوذها العسكري”، منوها إلى توفر حاجة “لتخفيف التوتر وتعزيز السلام والأمن المنطقة”.
وأعلن البيت الأبيض، الاثنين، أن الولايات المتحدة قد تشكل قوة عمل بحرية لمرافقة السفن التجارية في البحر الأحمر بسبب التهديدات الأمنية في المنطقة، بحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس.
ويأتي هذا الإعلان بالتزامن مع إرسال عدد من الدول الكبرى مثل بريطانيا سفناً إلى البحر الأحمر لتأمين خط الملاحة والتصدي لهجمات الميليشيات الحوثية.
ولا تتوفر أرقام إجمالية تكشف تفاصيل حجم التبادلات التجارية التي تمر في خطوط الملاحة القريبة من اليمن، والتي تهددها جماعة الحوثيين، ولكن بيانات وكالة الطاقة الدولية تشير إلى عبور ناقلات تحمل أكثر من 6 ملايين برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية، والتي تتجه إلى الولايات المتحدة وأوروبا والأسواق الآسيوية الكبرى مثل سنغافورة والصين والهند.
وتشير الوكالة إلى أن أي إغلاق أو تهديد لمضيق باب المندب يمكن أن يمنع الناقلات القادمة من دول الخليج من عبور قناة السويس أو الوصول إلى خطوط أنابيب أساسية لنقل النفط، الأمر الذي من شأنه زيادة وقت الشحن وتكاليفه.
وقالت مصادر ملاحية وتأمينية لوكالة رويترز إن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب ارتفعت بالنسبة للرحلات عبر البحر الأحمر.
وقال جاكوب لارسن، رئيس السلامة البحرية والأمن في بيمكو، لرويترز: “صار من الواضح الآن أن الحوثيين سيهاجمون أي شيء في البحر له صلات بإسرائيل أو الإسرائيليين، بغض النظر عن مدى ضعف الصلات وعن احتمال حدوث أضرار جانبية لغير الإسرائيليين مثل أفراد الطاقم”.
وأوضح أنه “ليس هناك الكثير أمام أي سفينة تجارية لتفعله لحماية نفسها من أسلحة الحرب، مؤكدا أن تغيير المسار بعيدا عن المنطقة يعد تفكيرا صائبا، خاصة بالنسبة للسفن المعرضة لخطر متزايد”.
وأدرجت سوق التأمين في لندن جنوب البحر الأحمر ضمن المناطق عالية المخاطر، ويتعين على السفن إخطار شركات التأمين التي تتعامل معها عند الإبحار عبر هذه المناطق، وكذلك دفع قسط إضافي عادة لفترة تغطية مدتها سبعة أيام.
وقالت مصادر في قطاع التأمين إن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب ظلت عالية عند ما بين 0.05 بالمئة إلى 0.1 بالمئة من قيمة السفينة، من حوالي 0.03 بالمئة في تقديرات ما قبل الهجمات.
ويترجم هذا إلى عشرات الآلاف من الدولارات من التكاليف الإضافية لرحلة تستغرق سبعة أيام.
وقال كوري رانسليم، الرئيس التنفيذي لشركة درياد غلوبال البريطانية لاستشارات المخاطر البحرية والأمن لرويترز، إنه من المتوقع أن ترتفع تكاليف النقل في هذه المنطقة بشكل أكبر.
وأضاف “فضلا على ذلك، فإن زيادة المخاطر المتصورة قد تؤدي إلى اختيار عدد كبير من السفن تجنب المنطقة تماما، مفضلة طرقا أطول مثل الإبحار حول القرن الإفريقي”.