السبت , 23 نوفمبر 2024
64ff209fe911c.jpeg

تحليل: تأثير الصفقة السعودية الأمريكية المنتظرة على الملف اليمني

“الواقع الجديد” الأثنين 11 سبتمبر 2023م /المشهد العربي

تحدثت بعض الصحف والمواقع الالكترونية عن قرب ابرام صفقة سعودية امريكية تاريخية للعلاقات الثنائية بينهما وللمفات الساخنة في المنطقة.

تتضمن الصفقة حماية امريكية للمملكة من أي اعتداء خارجي وبناء المفاعل النووي السعودي مقابل تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل وتعهد إسرائيل بحل الدولتين…الخ

في حال النجاح في إبرامها، عستعكس هذه الصفقة نفسها على الملف اليمني بصفة خاصة والملفات الأخرى بصفة عامة .

حجم وطبيعة تأثيرها وانعكاساتها سيختلف تبعاً للتوقيت الذي أبرمت فيه، إذ ستكون أكبر وأكثر أهمية حال تم الاتفاق قبل أن تحقق جهود السلام والمباحثات الجارية بين السعودية والحوثيين أي تقدم أو أي اختراق مهم، وستكون في المقابل أقل تأثيراً حال أبرمت الصفقة بعد إحراز تقدم مهم أو بعد التوافق على إطار وآليات وقضايا التفاوض النهائي وفقاً لمعطيات الوضع الراهن وميزان القوى السائد الآن.

فيما يخص السعودية على وجه التحديد، وباعتبارها الطرف المواجه لإيران وحلفائها في الصراع اليمني، ستمكنها هذه الصفقة من تلبية احتياجاتها الدفاعية الأكثر إلحاحاً نتيجة رفع القيود على مبيعات السلاح الأمريكي المتقدم، كما أن الالتزام الدفاعي الأمريكي سيحصنها من الهجمات الإيرانية والحوثية، وفي المحصلة سيتعزز موقفها في الملف اليمني مثلما في بقية الملفات كالملف اللبناني، وستكون وحلفاؤها في موقف عسكري وتفاوضي أقوى.

وبقدر ما أن تأثير هذه الصفقة على موازين القوى وعلى خريطة التحالفات في المنطقة مسألة لا خلاف حولها، إلا أن تأثيرها على الملف اليمني قد يكون مسألة مختلفة، فطبيعة هذا التأثير ومداه سيظل متوقفاً على تقدير إيران أولاً والجماعة الحوثية، ثانياً لطبيعة التغيرات التي ستلحق معادلة القوة وخريطة العلاقات والتحالفات، وعلى تقدير الطرفين للفرص والمخاطر والتحديات.
وهذا يضعنا أمام أحد سيناريوهين اثنين:

1. السيناريو الأول: المساعدة في وقف الصراع،
ستساعد الصفقة في تحقيق تقدم باتجاه وقف الصراع والتوصل إلى اتفاق سلام في اليمن ، على أساس أنها ستجعل إيران والجماعة الحوثية أكثر تفاعلاً مع جهود السلام. وما يدفع باتجاه هذا السيناريو أن صفقة كهذه تعمل على إضعاف موقف الطرفين وعلى إضعاف خيار الحرب إن لم تُسقطه، فهي ستعني على سبيل المثال خسارة الحوثيين لورقة التهديد بضرب السعودية والإمارات ومصالحهما، وهي خسارة تشمل أيضاً خسارة إيران فرصة شن هجمات على الدولتين وتجييرها باسم الحوثيين، ومن جهة أخرى سيكون تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة والمال والنفط أصعب، نتيجة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الدول الثلاثة. وهذه الخسارة التي تخرج خيار الحرب وخيار استهداف السعودية وتعطله تجعل من الاستمرار في رفض السلام تقريباً بلا معنى.

وبالإضافة إلى أن إبرام صفقة كهذه سيكون بمثابة هزيمة سياسية ونفسية لإيران ولحلفائها ستؤثر على معنوياتهم، هناك الضغوط والتحديات التي ستفرضها المتغيرات الناتجة عنها، فالاستمرار في السلوك والسياسات الراهنة سيكون له مخاطره التي لم تكن موجودة من قبل. ويفترض-مثلاً- أن يتراجع الدعم الإيراني للحوثيين بصوره مختلفة نتيجة تراجع فرصه وتزايد مخاطره، وسيكون هذا التراجع محصلة لممارسة إيران نوع من الرقابة الذاتية المدفوعة بالموازنة بين الجدوى والكلفة وباعتبارات سياسية أخرى كحرص إيران على الحفاظ على التقارب مع السعودية ودول المنطقة.
ولكن ينبغي الإشارة إلى أن اقتناع الإيرانيين والحوثيين بتغير المعادلة في غير صالحهم وكذلك تقديرهم لفرص ومخاطر الاستمرار في السلوك والسياسات القائمة قد يقتضي اختبارهم لها واختبار ردود فعل الأطراف الأخرى، وقد يكون على طهران-مثلاً- إرسال شحنات سلاح جديدة إلى الحوثيين لاختبار قدرتها وفرص الاستمرار في القيام بذلك مثلما لاختبار قدرات الأطراف الأخرى وطبيعة ودرجة تنسيقهم الأمني بعد توقيعهم لهذه الصفقة. وهذا السيناريو هو المرجح بالنظر إلى القائمة الطويلة من المحفزات التي تدفع باتجاهه، وأيضاً بالنظر إلى البرجماتية والحصافة التي أثبتت الدبلوماسية الإيرانية تمتعها بهما.

2. السيناريو الثاني: تعقيدات جديدة :
ستتسبب هذه الصفقة بتعقيدات إضافية للملف اليمني تجعل التوصل إلى اتفاق سلام أكثر صعوبة. وهناك من يرجح أن تتسبب بزيادة التوترات وحدة التنافس في المنطقة على أساس أن طهران قد تنظر إلى هذه الصفقة باعتبار أنها موجهة ضدها ومحاولة لحصارها وتهديداً لها ولنفوذها في المنطقة، وأيضاً على أساس أنها ستثير غضب المتشددين وتدفعهم إلى تبني سياسات أكثر تصادمية لمواجهة النتائج والتحديات المفترضة الناتجة عنها، وقد تعمد طهران في هذا السياق إلى زيادة الدعم المقدم للحوثيين وتحريضهم على التشدد تجاه جهود السلام وفي المباحثات الجارية بينهم والسعودية، وربما دفعهم إلى شن عمليات عسكرية وتوسيع نطاق الحرب للسيطرة على ما تبقى مارب وتعز ومن ثم مهاجمة الجنوب من كل الاتجاهات. وفي سياق مقاومة الصفقة ومفاعيلها ستعمد إيران أيضاً إلى استثمار التطبيع مع إسرائيل للنيل من السعودية والتحريض ضدها وتصوير تطبيعها مع إسرائيل باعتباره خيانة للإسلام وللمسلمين وطعنة في ظهر مقاومة الاحتلال.

فأي السيناريوهين أقرب إلى التحقق؟ هذا ما سيتضح لاحقا أو ربما يجرى محاولة المؤامة بينهما لتقديم حوافز ملموسة لكل من إيران والسعودية واسرائيل وحلول وسط في الملف اليمني.

العميد الركن/ ثابت حسين صالح

*باحث ومحلل سياسي وعسكري

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.