“الواقع الجديد” الأثنين 11 يوليو 2022م / مقال للدكتور عيدروس نصر ناصر محمد
عيد مبارك عليكم جميعا أيها الإخوة والأخوات مرةً أخرى وكل عام وأنتم بخير. * * * لم تعد قضية الحوار الجنوبي-الجنوبي موضوعاً للترف أو المزايدة السياسيين أو مادةً للابتزاز أو التسويق الإعلامي، بل لقد غدت قضية أساسية من أساسيات العلاقة بين الأطراف السياسية الجنوبية بمختلف أشكال حضورها ومستويات تأثيرها وأجنداتها وأيديولوجياتها وأهدافها السياسية والاجتماعية، خصوصا في ظل التحديات الجسيمة والمعقدة التي تنتصب أمام كل الجنوبيين، والتي لا يأبه لها البعض بقدر ما ينفق من الوقت والجهد في المماحكات وتبادل الاتهامات في ما لا جدوى منه. نحن نتحدث هنا عن الأطراف السياسية الجنوبية المؤمنة بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم وبناء نظامهم الوطني الجديد، بناء على ما يقره الشعب بالوسائل الديمقراطية المتعارف عليها دوليا، وفي هذا السياق نحن لا نستبعد ولا نخاصم ولا نحارب بقية القوى السياسية الجنوبية التي لا تؤمن بهذا الخيار ما لم تبدأ هي بمعاداة السواد الأعظم من الشعب الجنوبي أو خدمة أجندات أعدائه. أتصور بتواضع شديد أن أمام الجنوبيين أمكانيات واسعة لخوض حوارات معمقة وجادة ومسؤولة حول المستقبل السياسي للجنوب في ظل دولته الجديدة المرتقبة، والعنصر الأساسي هنا هو الاتفاق أنه لا بديل عن استعادة الدولة الجنوبية بحدود 21 مايو 1990م، وأن أية خيارات تنتقص من هذا الحق تظل مجرد مسكنات ومهدئات وقتية لن تجدي نفعا ولن تستأصل الداء ولا تزيل أسبابه، بل وتعيد الجنوب إلى صبيحة 7/7/1994م مهما كانت الألوان المنمقة والمزركشة التي تتخفى وراءها الشعارات والمسميات. أتصور أن هناك أربعة خيارات أمام القوى السياسية الجنوبية بدءً بالمجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره الكيان الأكثر حضوراً والأقوى تأثيراًمروراً بالأحزاب السياسية الجنوبية التي حسمت أمرها من قضية خيار استعادة الدولة، وانتهاءً بالكيانات الأخرى والأفراد والأسماء والقادة السياسيين كأفراد أو كجماعات. وقبل الخوض في هذه الخيارات، لا بد من الإشارة إلى أن الاتفاق على أحد الخيارات المشار إليها في ما يلي لا يلغي بالضرورة اللجوء إلى احد الخيارات الأخرى، فمن لا يقبل بالخيار الأول مثلا يمكن التعامل مع من خلال أحد الخيارات المتبقية حتى تكون مساحة العلاقة بين القوى السياسية الجنوبية متسعة ومنفتحة على أكثر من بديل وأوسع من خيار، ونعتقد أن الخيارات المتاحة يمكن تلخيصها في الآتي: • الخيار الاول، وهو خيار بناء كيان سياسي جنوبي واسع يشمل جميع الأطراف الراغبة في الانخراط في عمل سياسي موحد، وتنظيم سياسي واحد، وفي هذا السياق يمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي أن يبادر إلى فتح أبوابه لجميع القوى والمكونات والشخصيات السياسية الجنوبية الراغبة في الانخراط في بنيته ، مع إعادة هيكلة هذه البنية السياسية والتنظيمية، بما في ذلك تسميته وإعادة بناء هيئاته بحيث تستوعب في قوامها كل الكيانات المنخرطة في هذه العملية، والمؤمنة بخيار استعادة الدولة. إن هذا الخيار قد يبدو صعباً في البداية لكن أرادة التحرير وإخراج الجنوب من مازقه التاريخي تستدعي تقديم التنازلات المتبادلة
والاستفادة من الممكنات والفرص المتوفرة وحشد كل القوى والطاقات من أجل توسيع دائرة المشاركة السياسية، والتصدي للقضية المحورية وهي قضية استعادة الدولة، كأولوية لا تسبقها أية أولوية وطنية لجميع الجنوبيين. 2. الخيار الثاني، وهو خيار التحالف الوطني العريض. ليس من المؤكد أن كل الأشخاص والواجهات السياسية الجنوبية المؤمنة بخيار استعادة الدولة ستقبل بالانخراط في كيان سياسي واحد، حتى لو تغير اسمه من المجلس الانتقالي إلى أي اسم آخر، وإن كان هذا مطلوبا في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، وأمام هذه الحالة فأنه يمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي ومن يشاركه خيار الاندماج، العمل مع القوى السياسية الأخرى التي قد لا تقبل بالخيار الأول، وهي ليست بالضرورة كل القوى السياسية الجنوبية، من خلال خيار التحالف الوطني العريض وقيام جبهة وطنية عريضة تضم تحت لوائها القوى والأفراد والجماعات والأحزاب الجنوبية المؤمنة بحتمية استعادة الدولة الجنوبية، مع احتفاظ كل كيان أو تنظيم أو حزب باستقلاليته التنظيمية والسياسية والفكرية بما لا يتعارض مع القضية المحورية التي تقوم على أساسها هذه الجبهة وهي قضية الشعب الجنوبي كله باستعادة دولته وبناء مستقبله المستقل.
3. الخيار الثالث هو خيار القواسم المشتركة: وهذا الخيار يمكن أن تنخرط فيه بقية الأطراف التي قد لا تتوافق على أحد الخيارين الأول والثاني، وفحوى هذا الخيار يقوم على تبني مجموعة من القواسم المشتركة بين القوى والأطراف والشخصيات السياسية التي تؤمن بمبدأ استعادة الدولة، ومن خلال هذا الخيار يمكن الاتفاق على عدد من القواسم المشتركة فيما بينها تقوم على النضال المشترك من خلال هذه القواسم، والتي يأتي على رأسها قضية استعادة الدولة والعمل على تحديد ملامح المرحلتين الراهنة والقادمة. وأهم مبدأ بعد مبدأ استعادة الدولة هو تنسيق الجهود المشتركة وتحريم الحملات العدائية أو التحريض المتبادل ناهيك عن تحريم اللجوء إلى العنف في التعاطي مع قضايا الاختلاف فيما بينهم والاتفاق على أسلوب موحد للتعامل مع أعداء القضية الجنوبية بما لا يسمح بالمساس بمضمون القضية ولا يلحق الضرر بتطلعات الشعب الجنوبي. ٤. الخيار الرابع: استمرار التنافس السياسي الوطني الشريف وعدم المواجهة أو الاستقواء أو التخوين أو محاولات الاستئصال أو التضييق، بين القوى السياسية الجنوبية. هذا الخيار هو خيار الضرورة، وهو يصلح في البلدان المستقرة والديمقراطية والتي تتوفر فيها ظروف ليست متوفرة في بلادنا، لكنه في ظروف بلادنا يمكن أن يعتمد لتنظيم العلاقة بين الأطراف التي قد لا ترغب في بناء تحالفات سياسية سواء على أساس الاندماج أو الجبهة العريضة أو اتفاقات القواسم المشتركة. أتصور أنه في هذه الحالة سيكون من العقلاني والمقنع جدا أن تقيم الأطراف السياسية تحت هذا الخيار علاقتها على أساس الاحترام المتبادل والنضال من أجل القضية الوطنية الكبرى وعدم اللجوء إلى التنابز أو التخوين والحملات الإعلامية المتعادية أو التعامل مع أعداء القضية الجنوبية. ويمكن البحث في كثير من هذه الخيارات، لكن يظل العنصر الأساسي في كل هذه المحاولات هو الحرص على حشد كل الطاقات الجنوبية من أجل إنقاذ الجنوب من المأزق التاريخي الذي وضع فيه صبيحة 22 مايو، وجرى تكريسه أكثر فأكثر بعد حرب العدوان والاحتلال عام 1994م وحتى يومنا هذا، ولن يعرف الجنوب عافية ولا ازدهارلا ولا نهوض ‘لا بالتحرر منه. ومرةً أخرى كل عام وأنتم بخير.