“الواقع الجديد” الأحد 2 يناير 2022م / مقال للكاتب عيدروس نصر ناصر النقيب
حتى اللحظة لا يمكن الحديث عن ملامح أية انفراجة في الأزمة اليمنية القائمة على ثنائية “الانقلاب – الشرعية”، والتي يتشبث كل طرف من طرفيها الرئيسيين بما يعتقده مستمسكات تمنحه الحق في أن يكون الممثل الوحيد للشعب اليمني، بل أن يكون هو الشعب اليمني، ناهيك عن ثنائية “الشمال – الجنوب” التي لم يبد الأشقاء أي مؤشر على استيعابهم لجوهرها ولمضمون القضية الجنوبية بشكل عام في ظل تعنت أوصياء 1994م على أنهم الشرعية الوحيدة ولا شرعية للشعب الجنوبي بملايينه الستة.
عندما أعلنت عاصفة الحزم، كان انقلابيو 21 سبتمبر على وشك السيطرة على كل أراضي الشمال ومعظم مناطق الجنوب، وحيثما غابت المليشيات الانقلابية حضرت داعش والقاعدة، فالجماعتان تتكاملان في المهمات والهدف.
انخرط الجنوبيون بصدق وجدية ووفاء في إطار المواجهة مع المشروع الانقلابي الإيراني ولم يترددوا في بذل الغالي والنفيس في سبيل الانتصار لقضيتهم في إطار التحالف العربي.
ولكي لا نُمِنَّ على أشقائنا في التحالف العربي ولا يُمِنُّوا علينا ينبغي الإقرار بأن تحرير مناطق الجنوب من الجماعة الانقلابية وجحافلها الجرارة وفي أقل من مائة يوم، قد جاء نتيجة لتفاعل عاملين مهمين الأول ويتمثل في المقاومة الباسلة التي أبداها الشعب الجنوبي، وحقق ما لم تحققه الجيوش المجربة ذات التاريخ العريق وعالية الإعداد والتعداد والعتاد، والثاني ويتمثل في الدعم المادي والمعنوي واللوجستي والتكنيكي المقدم من الشقيقتين دولتي التحالف (السعودية والإمارت).
وطوال السبع السنوات من عمر عاصفة الحزم، لم يتردد الجنوبيون قيد أنملة من مواصلة الوفاء مع الأشقاء في التحالف العربي، بل لقد ذهبت قوات المقاومة الجنوبية بعيدا في الالتزام بخطة التحالف العربي فدخلت إلى الساحل الغربي وقدمت قائمة كبيرة من الشهداء على رأسهم الشهيد أحمد سيف اليافعي، نائب رئيس هيئة الأركان، ومعه الشهداء عمر الصبيحي ومحمد الشفرة وعشرات الأسماء الكبيرة.
كما وصلت المقاومة الجنوبية إلى حدود صعدة مع جيزان ونجران وما تزال تساهم بفعالية في الدفاع عن مدينة مأرب الشمالية، بينما يرقد القادة من الأشقاء الشماليين في فنادق الرياض وكأن الأمر لا يعنيهم أو كأنهم مستضافون على وليمة متطاولة على مدى سبع سنوات.
وليعلم الأشقاء في التحالف العربي أن الجنوبيين لم ينخرطوا في الحرب حبًّا في الحرب ولم ولن يقاتلوا نيابة عن الأشقاء الذين أثروا من وراء الحرب وساهموا في إطالة عمرها لتحقيق المزيد من الإثراء، لكنهم (أي الجنوبيين) خاضوا معركتهم من منطلق الانتصار لقضيتهم الجنوبية وفي سبيل التحرر والانعتاق من التبعية البغيضة التي فرضتها عليهم شرعية حرب 1994م ومن ثم استعادة دولتهم التي خطفها غزاة تلك الحرب، ودمروا أسسها واستحوذوا على موارد الجنوب وهمشوا أهله وعبثوا بثرواته وشوهوا هويته وتاريخه ونضالاته.
وليعلم الأشقاء أن المقاتلين الجنوبيين ليسوا بندقية للإيجار وليس لديهم الاستعداد لتحرير المناطق التي يقف أبناؤها مع الحوثيين ويقاتلون في صفوفهم ويقتل منهم من يقتل ويصاب منهم من يصاب.
وخلاصة الكلام:
1. لقد تبين أن الأشقاء الشماليين المهيمنين على الشرعية ليسوا مستعجلين على تحرير صنعاء ولا استعادة الدولة التي اختطفها الانقلابيون الحوثيون وشركاؤهم.
ومن هنا فإن أبناء الجنوب لن يستمروا في القتال في سبيل هذا الهدف إذا كان المعنيون به لا يريدون تحقيقه.
2. لقد أعلن الشعب الجنوبي بغالبيته السكانية عن مطلبه المشهود الذي عرفه القاصي قبل الداني، والمتمثل في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على أرض الجنوب بحدود 21 مايو 1990م، وعلى الأشقاء في التحالف العربي وكل الدول العربية والإسلامية، وعلى الأصدقاء في مختلف دول العالم أن يعلموا أنَّ الشعب الجنوبي ليس لديه أي استعداد لأية مساومة في هذا الهدف خصوصاً بعد أن قدم عشرات الآلاف من الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمخطوفين.
3. إن مقولة “نبدأ بدحر الحوثي ثم ننتقل لحل القضية الجنوبية” لم تعد قابلة للتعاطي، لأسباب كثيرة أهمها:
• إن طرفي النزاع على صنعاء يتسليان بنزاعهما هذا ويستنزفان دول التحالف العربي ، بعلمها أو بدون علمها.
• ثم إنهما يتخادمان بصورة مكشوفة بعد أن كشفت الأحداث الأخيرة في شبوة أنهما لم يكونا يتقاتلان، بقدر ما كانا يضحكان على دول التحالف وعلى الشعب اليمني الذي يدفعان أبناءه إلى المحرقة كل يوم.
• إن الشعب الجنوبي قد ضاق ذرعا بألاعيب الجماعة المهيمنة على الشرعية، الذين برهنوا أن صنعاء هي آخر ما يثير اهتمامهم، وأنهم في سبيل التسويف مع الجنوبيين والرهان على ملل الشعب الجنوبي وانفضاضه من حول قيادته واستعادتهم السيطرة على الجنوب من جديد، إنهم مستعدون للتخلي عن كل مساحة الجمهورية العربية اليمنية السابقة وتقديم كل التنازلات التي يطلبها منهم الحوثيون.
وفي الأخير:
على الأشقاء في التحالف العربي وفي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة والدول الراعية أن يعلموا بأن الشعب في الجنوب لن ينتظر طويلاً ولربما يجد نفسه مضطرّاً إلى تغيير تكتيكاته ووسائل عمله والانتقال إلى مرحلة جديدة من السير نحو استعادة دولته بمنأى عن رضى الراضين ورفض الرافضين.
ذلك هو ما يريده الشعب الجنوبي لمن لم يعلم بعد.