“الواقع الجديد” السبت 11 ديسمبر 2021م/ متابعات
قالت مصادر سياسية مطلعة إن التباينات حول الملف اليمني لا تزال أبرز التحديات التي تعترض مساعي تصفير الخلافات بين دول المنطقة، مشيرة إلى أن هذا الملف كان حاضرا بقوة في ما شهدته الأيام القليلة الماضية من لقاءات بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقادة دول مجلس التعاون الخليجي التي زارها.
وأكدت هذه المصادر أن محاولات تقريب وجهات النظر إزاء عدد من القضايا الإقليمية والدولية لم تشمل الملف اليمني الذي لم تنعكس عليه بشكل لافت وجدّي مصالحةُ “العلا” وما تلاها من زيارات، في ظل تباين أجندات الدول الإقليمية الفاعلة والمؤثرة في هذا الملف والتي مازالت تعمل وفقا لحسابات ومصالح خاصة سياسية واقتصادية في المقام الأول.
وأشارت مصادر “العرب” إلى أن أولى المقاربات التي قد تشهدها المواقف الإقليمية حيال ملف الحرب في اليمن هي تلك التي قد تطرأ بشكل جزئي على الموقف العماني الذي شهد تحولا طفيفا لصالح طمأنة الرياض قبل وأثناء زيارة ولي العهد السعودي إلى مسقط، والتي تخللها توقيع اتفاقيات اقتصادية كبيرة قد يكون من بينها المشروع الاقتصادي السعودي الهائل الذي يتضمن نقل النفط عبر سواحل بحر العرب بعيدا عن التهديدات التي قد يمثلها إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران.
وأكدت المصادر ذاتها أن الحوار غير المعلن بين مسقط والرياض في الأشهر الماضية تطرق إلى عدد من المخاوف والتحفظات لدى الجانبين، وفي مقدمتها قلق عمان من امتداد سعودي إلى مناطق في شرق اليمن تعدها مسقط ضمن نطاق أمنها الحيوي، بينما لم تخف الرياض موقفها من التقارير التي تتحدث عن تهريب الأسلحة إلى الحوثيين عن طريق محافظة المهرة والدور العماني في تأجيج الاحتجاجات المعادية للتحالف العربي في المحافظة اليمنية.
وترافقت أنباء عن إعادة السعودية نشر قواتها في المهرة وسحب معظم تلك القوات والمعدات مع تصريحات عمانية قالت إن الوقت قد حان لتوقيع اتفاق بين الدولتين لتصدير النفط السعودي عبر الموانئ العمانية، فيما يُعتقد أنه ثمرة من ثمار تفاهمات حول قضايا رئيسية سبقت الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان إلى مسقط، ويتوقع مراقبون أن تظهر نتائجها بشكل أوضح خلال الفترة المقبلة بعد نزع أحد أبرز عوامل الخلاف السياسي والاقتصادي بين الدولتين.
ووفقا لمصادر “العرب” شهد الموقف العماني تغيرا إزاء الملف اليمني ودور السعودية في مناطق ما تعتبره مسقط عمقها الاستراتيجي في اليمن، وخصوصا محافظتي المهرة وحضرموت، بعد تولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم خلفا للسلطان قابوس بن سعيد، حيث تتسم سياسة السلطان الجديد -حسب المصادر- بالمزيد من الواقعية ولغة المصالح بعيدا عن التعقيدات والآثار التاريخية التي كانت تميز العلاقة بين السعودية وسلطنة عمان قبل ذلك.
ولا تتوقع هذه المصادر أن يشهد الموقف العماني تحولا هائلا في الموقف من الحوثيين واستضافة وفدهم التفاوضي بالنظر إلى العلاقة التي تربط مسقط بطهران وتقديم مسقط نفسها كوسيط، حيث تركز الرياض على ضرورة خفض التوتر في محافظة المهرة ووقف تدفق الأسلحة والمعدات القادمة إلى الحوثيين في المرحلة الأولى.
وفي مقابل الموقف العماني الذي شهد تحولا نسبيا لم تنعكس المصالحة بين الرياض والدوحة حتى الآن على الملف اليمني، في ظل تقارير تفيد باستمرار الدعم المالي والإعلامي والدبلوماسي الذي مازالت قطر تقدمه إلى الحوثيين بطرق غير مباشرة.
وزادت الدوحة وتيرة دعمها للحوثيين الذي بدأ منذ وساطتها المتعلقة بحروب صعدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين والتي بدأت عام 2007 بعد إعلان التحالف العربي في 2017 إنهاء مشاركتها في التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية، وشهد الخطاب الإعلامي والسياسي القطري تحولا لافتا من ناحية دعم الحوثيين صراحة أو المساواة بينهم وبين الحكومة الشرعية والتحالف العربي، كما عاودت أذرع قطر الخيرية نشاطها في مناطق الحوثيين، في ظل مؤشرات على استخدامها كغطاء لتمويل الجماعة.
وتوقعت مصادر مطلعة أن يؤدي التقارب السعودي – القطري الأخير إلى خفض مستوى الدعم القطري للحوثيين، مع استمرار الدعم عبر قنوات غير مباشرة كما كان الحال قبل المقاطعة، مع بروز تقارير تفيد بوجود تباين داخل دوائر الحكم في الدوحة التي مازال الحرس القديم فيها يصر على تبني مشروع زعزعة الاستقرار في المنطقة عن طريق دعم المشروع الإيراني عبر ذراعه الأقوى في اليمن.
وأثناء الزيارة التي قام بها إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي جدد الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد توافق موقفَيْ البلدين من قضية اليمن، حيث يؤكد مراقبون أن الموقف السعودي – الإماراتي لا يزال الأكثر انسجاما وتناغما تجاه القضايا الساخنة في المنطقة وفي مقدمتها الملف اليمني، فيما قالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن الخلاف الأساسي يتمحور حول الأولويات والموقف من جماعة الإخوان المسلمين؛ إذ تدعم أبوظبي توجها سياسيا وعسكريا يهدف إلى الحد من نفوذ الجماعة في مناطق الشرعية، بينما تعمل الرياض على دعم أطراف معتدلة داخل الشرعية وتحاول إصلاحها من داخلها عبر حلفاء مناوئين للحوثي دون الدخول في صدام مع حزب الإصلاح اليمني.
ويستبعد مراقبون ان يلقي أي تقارب بين السعودية ودول التحالف العربي مع إيران وتركيا بظلاله على موقف الدولتين حيال اليمن، فبينما تراجعت اهتمامات أنقرة بالملف اليمني نتيجة الانشغال بأزماتها السياسية والاقتصادية الداخلية تراهن إيران على استخدام الحوثيين كورقة رابحة في صراعها الإقليمي والدولي المتصاعد وخصوصا في مفاوضاتها مع المجتمع الدولي حول الاتفاق النووي.