“الواقع الجديد” الأثنين 15 نوفمبر 2021م/ العرب
يسعى المتمردون الحوثيون لاستغلال انسحاب القوات المشتركة الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من أجزاء في مدينة الحديدة، للتمدد أكثر بغية السيطرة على المحافظة الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر.
وقالت مصادر عسكرية وشهود عيان إن اشتباكات اندلعت في ساعة متأخرة من مساء السبت بين القوات المشتركة والمتمردين الحوثيين جنوبي مدينة الحديدة. ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين عسكريين قولهما إن “طائرات عسكرية تابعة للتحالف العربي شنت ضربات جوية على مديرية الفازة جنوبي الحديدة، بينما اشتبك مقاتلو الحوثي مع عناصر القوات المشتركة حتى منتصف الليلة الماضية”.
وتقع الفازة على بعد 15 كيلومترا من مديرية الخوخة التي يسيطر عليها التحالف العربي والتي فر إليها المئات من اليمنيين بعد تقدم الحوثيين.
وقال أحد المصادر إن الحوثيين يعملون على اقتطاع المزيد من الأراضي بعد انتشارهم في المناطق التي انسحبت منها القوات المشتركة بشكل مفاجئ، وذكر أن قوات من المشتركة صدّت هجوما للحوثيين باتجاه مرفأ الحَيْمة في الحديدة.
وأعلنت القوات المشتركة وهي تحالف عسكري يضم عددا من الألوية، الجمعة أنها ستعيد انتشارها من حول الحديدة، وهي الميناء الرئيسي للبلاد في الغرب، في خطوة قالت بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة والحكومة إنه لم يتم الإخطار بها مسبقا.
وأوضحت القوات المشتركة أنها أخلت بعض المناطق في شرق وجنوب الحديدة وفقا لاتفاق ستوكهولم الذي توصلت له الحكومة اليمنية والحوثيون نهاية العام 2018 برعاية الأمم المتحدة، والقاضي بإعادة انتشار قوات الطرفين.
وذكرت في بيان أن بقاءها محاصرة في متارس دفاعية ممنوع عليها الحرب، بقرار دولي، فيما الجبهات المختلفة تتطلب دعما بكل الأشكال، أمر خاطئ، مشيرة إلى أنها ستعيد ترتيب صفوفها وبدء مرحلة جديدة من القتال ضد الحوثيين.
وأوضحت في بيانها أن “الواجب الديني والوطني يدفعها للدفاع عن جبهات ذات أهمية أخرى قد يستغلها الحوثيون عند عدم وجود دفاعات كافية، وعدم وجود اتفاق دولي يردع الحوثي عن تقدمه، كما حصل مع قواتهم في الحديدة”.
وكانت الحكومة اليمنية توصلت في الثالث عشر من ديسمبر 2018 إلى اتفاق هدنة في الحديدة برعاية الأمم المتحدة مع الحوثيين الذين يسيطرون على المدينة. وصمدت هذه الهدنة إلى حد كبير وتوقف انسحاب القوات من الجانبين حتى عام 2019، لكن الهدنة تعرّضت مذاك للخرق مع وقوع اشتباكات عدة حول المدينة.
ويرى مراقبون أن انسحاب القوات المشتركة يندرج في سياق وضع الحوثيين أمام خيارين إما الالتزام بتطبيق اتفاق السويد أو إلغائه، حيث أنه لم يعد من الممكن استمرار الوضع الراهن، حيث قوات الشرعية مقيدة هناك.
ويشير المراقبون إلى أن الانسحابات التي حصلت في الحديدة جرت بتنسيق مع بعض المكونات في الداخل ولاسيما المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث أن هناك حاجة اليوم لتعزيز الجبهة الجنوبية ولاسيما في شبوة في ظل مؤشرات عن نية المتمردين نقل الحرب إلى الجنوب بعد الانتهاء من إحكام السيطرة على مأرب، آخر معاقل الحكومة في شمال البلاد.
ويشن المتمردون المدعومون من إيران منذ أشهر هجوما على محافظة مأرب، آخر معاقل الحكومة في شمال البلاد، ونجحوا في تحقيق اختراقات عسكرية خطيرة وباتوا على أعتاب مركز المحافظة.
وترجح أوساط عسكرية أن تكون الجبهة الجنوبية الوجهة الموالية للحوثيين، الأمر الذي استدعى على ما يبدو إعادة انتشار قوات التحالف العربي، وأيضا القوات المشتركة.
وقال سمير رشاد اليوسفي رئيس المركز الإعلامي للمقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح في تغريدات على تويتر إن ما حدث هو إخلاء للمناطق التي يحكمها اتفاق ستوكهولم في محيط مدينة الحديدة، مشددا على أن هذه الخطوة “جاءت لتصحح مسار العمليات العسكرية وتزيل القيود عن مهام القوات المشتركة، وتحررها من سيطرة اتفاق السويد الذي عطل كل إمكانياتها وهدد قيمتها العسكرية”.
وأشار اليوسفي إلى إمكانية نقل القوات المنسحبة لتعزيز جبهات الشرعية في مأرب وشبوة والتي بدت ضعيفة في مواجهة تقدم الحوثيين، قائلا إن قيادة القوات المشتركة اتخذت قرارا بإعادة الانتشار “في وقت تتقلص فيه الخيارات العسكرية للشرعية وستكون له تأثيرات واضحة وفعالة لإسنادها”.
وأوضح أن قرار إعادة الانتشار الذي جاء بشكل أحادي جاء “لتلافي الأخطاء السياسية التي شابت بنود اتفاق ستوكهولم وأقحمت القوات المشتركة في معارك استنزاف يومية أبعدتها عن حماية الشعب اليمني وسيعمل على الإسهام في خلق واقع يضمن لليمنيين الشرفاء حقوقهم السيادية”.
ووصف اليوسفي خطوة الانسحاب بأنها “تاريخية في توقيتها ودلالاتها”، لافتا إلى أنها جاءت “تتويجا لدعوات قيادة المقاومة الوطنية المتكررة لكافة الأطراف الحريصة ‘فعلا’ على مواجهة المد الإيراني بتكوين اصطفاف وطني يضمن تشكيل جبهة موحدة في وجه كل ما يهدد الأمن الوطني والإقليمي”.
وسجل في الفترة الأخيرة تقارب لافت بين المقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، ترجم في عقد الطرفين أول اجتماع تنسيقي بينهما قبل أيام فيما بدا خطوة نحو توحيد الصفوف لمواجهة التمدد الحوثي في الجنوب.
وانتقدت قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي محاولة الإخوان والأطراف الموالية لها التشكيك في دوافع الانسحابات من الحديدة وحملات التخوين التي تشنها، معتبرة أن جماعة الإخوان كانت تريد إبقاء القوات المشتركة مكبلة باتفاق ستوكهولم لتبقى هي المهيمنة على المشهد العسكري في الجبهات المشتعلة.
وقال رئيس قسم الشؤون السياسية والتخطيط في الإدارة العامة للشؤون الخارجية بالانتقالي أنيس الشرفي “الشرعية هي من أعاق تقدم القوات المشتركة لتحرير الحديدة، ولا تزال تتمسك باتفاق ستوكهولم ولم تتخذ قرارا بإنهاء العمل به، فيما الأجدر بالشرعية ذاتها أن تنهي العمل بالاتفاق وتوجه القوات المشتركة بالتقدم تحت مسؤولية الشرعية وليس التضحية بقيادة تلك القوات، وهي تظل شريكة في المكاسب بريئة من الخسائر”.
وأوضح الشرفي “يضغط الإخوان على القوات المشتركة للتقدم باتجاه الحديدة لوضعهم تحت طائلة عقوبات مجلس الأمن”، لافتا إلى أن ما يجري في الجنوب وتحديدا في شبوة وأبين بالإضافة إلى مأرب يجعل الجنوب أكثر حاجة للقوات الجنوبية، وبالتالي فما الداعي لبقائها خاملة في الحديدة في ظل تزايد الأخطار المحدقة بالجنوب.
واعتبر المسؤول في المجلس الانتقالي أن “التخادم الإخواني الحوثي قاد للتراجع من مشارف صنعاء لأكثر من 200 كم وتسليم الجوف ومأرب والبيضاء ومديريات بيحان شبوة، بالتزامن مع تنامي حشود الحوثي والإخوان في الحزام الحدودي بين الجنوب والشمال، ولهذا فقد بات لزاما عودة كافة القوات الجنوبية وتوجيهها لحماية وتأمين الجنوب”.
ويرى مراقبون أن هناك اليوم حالة سيولة سياسية وعسكرية كبيرة في اليمن، بدأت تفرز اصطفافات جديدة على الساحة لاسيما بعدما ظهر تهاون من قبل الحكومة الشرعية التي يهيمن عليها الإخوان، في صد الحوثيين، وهو ما ترجم في تسليم مناطق في مأرب وشبوة دون مقاومة تذكر.