الثلاثاء , 24 ديسمبر 2024
%d8%aa%d9%86%d8%b2%d9%8a%d9%84-1

الرقصات الشعبية في الإمارات، فـنون تقص حكايات النصر والشجاعة..

((الواقع الجديد)) السبت 24 سبتمبر 2016. ابوظبي

 

يمثل الرقص الشعبي الشكل التقليدي للرقص لدى الشعوب، أو لدى مجموعة عرقية محددة، فعلى مر التاريخ تكاد تكون غالبية الحضارات قد اتخذت لها رقصات خاصة بها، وانتقلت هذه من جيل إلى آخر، ما شجع الشعوب على تأليف أغانٍ راقصة، وهي ضرب من الموسيقى الشعبية المصاحبة لتلك الرقصات.

نشأت معظم الرقصات الشعبية، كأحد أشكال الاحتفال أو طقوس الشعائر الدينية، أو كطريقة للسيطرة على قوى خفية، كما بنيت أشكال وحركات كثير من هذه الرقصات على معتقدات خرافية، فمثلاً: كان عدد من الرقصات الشعبية القديمة، يُؤدى في محيط دائرة لاعتقاد البعض أن لهذا الشكل قوى سحرية.

وفي مجموعة من الثقافات القديمة كان هناك اعتقاد بأن الحركة الدائرية تجلب الحظ السعيد أو تُبعد السوء، فعلى سبيل المثال نشأت رقصة “التارانتيلا” الإيطالية في الأصل، كوسيلة لعلاج لسعة العنكبوت السام. أما رقصة السيف الإسكتلندية، فللاحتفال بالنصر في الحروب. كما استخدمت الشعوب القديمة رقصات للاحتفال بالمناسبات، مثل: الولادة والزواج والموت. أيضاً، كانت هناك رقصات أخرى تُؤدى لعلاج الأمراض أو لنيل الخيرات ونيل محاصيل وفيرة، أو للاحتفال بالنصر في موقعة ما. ولكن، مع مرور السنين، فقدت أكثر الرقصات الشعبية مدلولها الأصلي وأصبحت تُؤدى للتسلية والترفيه.
مظاهر وفلكلور

هناك حالياً في بعض الدول العربية، ما يسمى بِفِرق الفنون الشعبية التابعة للهيئات الحكومية، إذ تؤدي رقصات تتناسب مع لون العروض التي تُقدم في المناسبات. وفي هذا السياق، تعكس الفنون الشعبية الإماراتية والتراث الثقافي، العديد من مظاهر الحياة والجوانب الاقتصادية والثقافية والفكرية للمجتمع الإماراتي.

كما تعبر عن حياة الأفراد وعاداتهم وتقاليدهم في الأفراح والأتراح، وللطبول حضور قوي في مختلف الفنون الشعبية والمهرجانات، فهي واحدة من الآلات الموسيقية ذات الإيقاع الشعبي القديم، مثل: الخرخاش، السحال، البوق، الدف- أو كما بالمفهوم المحلي-: “السِماعات”، الربابة، المزمار، والناي.
رقصة عُمانية

يستهل الأديب عبدالغفار حسين، حديثه عن الرقصات الشعبية في الإمارات، بالتشديد على عدم استساغته للتطوير الذي يطال بعضها، حالياً، مبيناً أن الثقافة تنتقل من مكان إلى آخر، وهكذا فإن “اليولة”، والتي تمثل إحدى المفردات والمكونات الفنية الثقافية المجتمعية، مأخوذة من “اللال”، وهي رقصة عُمانية. ويضيف عبدالغفار حسين:( إن التطور سنة الحياة، فلا شيء يبقى على حاله، والمجتمعات تتغير وتتطور، وكذلك الفكر البشري يتطور معها، أو بالأحرى يطورها.

ولكن هذا لا ينطبق على ماهية الرقصات الشعبية، من وجهة نظري، فأنا أفضل أن تُؤدى كما كانت في الماضي، ولا أشجع التجديد خاصة ضمنه، في ما يتعلق بالتراث. كما أرفض الحركات الجديدة والموسيقى التي أُضيفت إلى فن “المالد”، لكن لا يمكن غض النظر عن الإيجابيات التي نتجت عن هذا التطور، فعلى سبيل المثال: التغييرات التي أضافها الشباب إلى “اليولة” من موسيقى وأسلحة خشبية، أسهمت في تعريف الجيل الجديد بجزء مهم من التراث الإماراتي) .

يؤكد بلال البدور، الوكيل المساعد للثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، أن “العيالة”، و”الحربية”، و”الأهلة”، و”المالد”، و”الرواح”، فنون إماراتية أصيلة. ويوضح ذلك:( يعد ” الرواح” فناً خاصاً بالشحوح، وذلك إضافة إلى “الوهابي”، فتلك رقصات إماراتية أصيلة ولا مجال للتشكيك فيها، كما أن كلمتي “الرزفة” و”الرزيف”، تعبران عن فن واحد، فـ”الرزفة” هي “الرزيف” والعكس صحيح، أما “اليولة” فهي ليست فناً قائماً بحد ذاته، إذ إنها إحدى حركات “الرزيف” و”العيالة” و”الحربية”.

و”العيالة” و”الرزيف” عبارة عن ساحة معركة يتقابل فيها صفان من الرجال، يمسكون العصي، وتكون بمثابة السلاح الذي يحاربون فيه. واما “اليويلة” فهم الفرسان الذين يتبارزون. و”النعاشات” كناية عن المرأة التي عندما تستشعر الخطر، تكشف عن شعرها لتطلب الحماية والأمان والرجال. فالرجل بطبعه لا يتوانى عن نجدتها وإغاثتها. وأما الطبول فهي عادة من عادات الإعلان عن الحرب).
علامة النصر

تتعدد الفنون الشعبية الراقصة الاجتماعية والوطنية في الدولة، وتتنوع، من حيث الأداء والمناسبة. وفي هذا الصدد، يوضح حميد إبراهيم عبيد بن بشر، مدير جمعية أم القيوين للفنون الشعبية، أن رقصة “العيالة”، و”الرزيف”، و”المالد”، و”الأهلة”، هي الأساسية في التراث الإماراتي. ويضيف: (تشترك أكثر من رقصة في مناسبات الزواج أو الاحتفال باليوم الوطني، وربما تُعرض جميعها في المناسبة نفسها، لكنها على تعدد أنواعها، اختلفت بين إمارة وأخرى ومدينة وغيرها، ومنها “العيالة” التي تُعد الرقصة الوطنية الأولى.

وتُنشد فيها الأناشيد الوطنية، وتُستخدم فيها السيوف والعصي، والتي من المُعتقد أنها كانت تُؤدى بصفة أساسية بعد الانتصار في الحرب، إذ كان يؤديها أفراد القبيلة المنتصرة، وبذلك فهي عند قبائل العرب، تحمل تجسيداً لمعاني القوة والفروسية التي أهلت صاحبها للانتصار في الحرب).

ويشرح بن بشر تفاصيل أداء العيالة: ( تُؤدى “العيالة” بواسطة صفين متقابلين من الرجال، ويتماسك أفراد كل صف جيداً، بحيث يبدون متلاصقين، فيُمسك كل رجل بيد الآخر، ويحيط بيده الأخرى، خصره، وهذا يدل على التماسك والتعاون القبلي. ويتوسط الصفين فرقة تتولى الموسيقى، إذ يحمل أفرادها أدوات موسيقية كثيرة، غالبيته مصنوعة من النحاس،. ومن ما تضمه تلك الأدوات: الطبول والدفوف. ويرأس تلك الفرقة الموسيقية، رجل يحمل طبلة اسطوانية الشكل، ذات وجهين، تسمى “كاسر”. وهي التي تعمل على إعطاء الموسيقى الطابع الحماسي المميز للرقصة، والملائم للشِعر الذي يُقال أثناء الرقص).
فتوة وهيبة

ويتحدث مدير جمعية أم القيوين للفنون الشعبية، عن رقصة “الرزيف” : (إنها من أهم أنواع فنون البادية، على الإطلاق. وتعد مظهراً من مظاهر الفتوة وقوة الشخصية وهيبتها. كما تمثل علامة على الفروسية العربية، إذ إنها فن خاص بالرجال ويخلو أداؤه من أي عنصر نسائي، حيث يقف صفان من الرجال لا يقل عدد كل منهما، عادة، عن خمسة رجال.

وربما يصل العدد إلى أكثر من عشرة. ويقف الصفان متقابلين، بينما يرتدي من فيهما، أزياءهم الشعبية، ويلف كل واحد منهم حول وسطه، حزاماً له جيوب كثيرة، محشوة برصاص البنادق التي لا يستغني عنها ابن الصحراء، وأحياناً يعلق في الحزام جراباً خاصاً لوضع خنجر بوضع مائل”. ويستطر : “يمتاز “الرزيف” بأن لغة مفرداته تقترب من العربية الفصحى، في الكثير من الكلمات والعبارات. وكذلك يتميز هذا النوع من الرقص بتفاوت الأداء، بين البطء والسرعة وبين الهدوء والصياح).
مناسبات دينية

ولا يغفل بن بشر التطرق إلى رقصة “المالد”: ( يبرز هذا الفن، في المناسبات الدينية. ويتجسد أداء صفين من الأشخاص الجالسين، الذين يحملون بأياديهم، طبولاً ضخمة يلوحون بها في الهواء ويضربون عليها، فتنبعث نغمة موحدة، يتخللها نشيد ديني يتحدث عن سيرة الرسول الكريم محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، وفي مواجهة هذا الصف، يجلس عدد من المنشدين الذين يتميزون بحلاوة نبرتهم وجمال أصواتهم.

ومعرفتهم الواسعة في سيرة الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ العطرة. وذلك بينما تتلاحق أكتافهم وهم يتمايلون، يميناً ويساراً، ويرددون أثنائها، وراء المنشد، كلمات عن نبينا الكريم محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ، وهؤلاء المنشدون هم الجانب المكمل لهذه اللوحة).
رصيد شعري

ويستعرض بن بشر، على صعيد آخر، جماليات وضمامين فن “الأهلة”، مبيناً أنه من الفنون الخاصة بالإمارات، والتي تؤدى غالباً، في المناطق القريبة من “البادية”. ويتابع : (هناك تقارب كبير بين “الأهلة” و”العيالة”، فـالأول يُؤدى خلال ممارسة الثاني، أو عقب كل وصلة من وصلاته، ولكنه يتطلب من مؤديه، رصيداً كبيراً مهماً من الشعر الشعبي المحفوظ عن غيب، بحيث يجلس بعض أعضاء فرقة العيالة،.

وهم من هواة فن الأهلة، ويشاركهم بعض الحضور من عشاق الفن القديم، يجلسون في حلقة صغيرة، ويبدأ كل واحد منهم، إلقاء قصيدته. وعقب كل بيت، يرد عليه زملاؤه، بقولهم: “أهلة”- بمد اللام. فتنطق “أهلاه”. ولهذا سمي “الأهل” أو “الأهلة”، بهذا الاسم”.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.