“الواقع الجديد” الأحد 8 اغسطس 2021 / الشرق الأوسط
«ماذا يجدر ترقبه من المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن هانز غروندبيرغ؟». سألت «الشرق الأوسط»، فاكتفى مصطفى نعمان وكيل الخارجية اليمنية الأسبق بالقول: «إقناع اليمنيين بضرورة إنهاء الحرب».
بينما شعرت رشا جرهوم وهي يمنية ترأس «مبادرة السلام» بخيبة أمل. وتقول إن الأمم المتحدة «خذلتنا بعدم تعيين امرأة»، وذلك عند إجابتها عن السؤال نفسه. وقالت: «مع احترامي لشخص المبعوث الجديد، ولكن كنت فعلاً أتمنى تعيين شخصية عربية، لأنها ستكون أكثر قرباً لفهم الوضع اليمني بشكل معمق». لكنها تعتقد في المقابل أن السويد «تسعى بشكل جاد للدفع بعملية السلام، وهذا مثبت باستضافة مشاورات استوكهولم».
السؤال ذاته، طرحته «الشرق الأوسط» على سياسيين وباحثين مهتمين بالعملية السياسية اليمنية، وأجابوا بجملة مطالب وتوصيات وأمثلة وشروحات مسهبة، كان من ضمنها ضرورة عدم تكرار أخطاء أسلافه، فضلاً عن مسائل أخرى مثل وجوب عدم تجاهله عامل الوقت أو التحذير من استهداف القرار 2216.
يقول البراء شيبان وهو محلل سياسي وعضو مؤتمر الحوار الوطني اليمني، إن دور المبعوث بشكل عام يظل محدوداً، ويعتمد على ما إذا كانت القوى اليمنية جاهزة ومتجهة صوب السلام، وتبقى المسؤولية الكبرى على قوى الصراع الداخلية.
ويضيف أنه «يجب أن يركز المبعوث على استعادة مؤسسات الدولة، مثل دعم دور البنك المركزي داخل عدن، والبحث عن آليات تنشيط المؤسسات الرسمية والخدماتية، لتبنى فرص يمنية حتى وإن كانت الخطط على المدى الطويل»، متابعاً أن «المشكلة تفكير الأمم المتحدة دائماً سريع وعاجل وللفئات الأكثر حاجة إنسانياً، وعند إيجاد مقاربات سياسية يذهبون إلى خلق لجان وتتخذ وقتاً طويلاً، بينما نريد قليلاً من الاستقرار لخلق مناطق آمنة ونموذجية تشجع اليمنيين على أن يحذوا حذوها أو أن تعطيهم صورة أكثر إشراقاً للمستقبل إذا أوقفوا الحرب وارتهنوا جميعاً للسلام».
من ناحيته، يوصي رياض الدبعي المحلل السياسي اليمني المبعوث بتفادي أخطاء من سبقوه «وبشكل خاص مارتن غريفيث»، إذ يعتقد بأن الأخير «لم ينجح إلا في حصد ضغينة اليمنيين وفقدان ثقتهم في الأمم المتحدة».
كما يرى أن على المبعوث «حل بعض الملفات العالقة وعلى رأسها الهجوم الحوثي العنيف على مأرب وفك حصار تعز الممتد أكثر من 6 أعوام، فضلاً عن ضرورة وجود تقييم لمكتب المبعوث نفسه ووجوب إشراك منظمات المجتمع المدني الحقيقية في عملية السلام في اليمن والابتعاد عن المجموعات التي لا تستطيع التواصل والتأثير على أطراف الحرب».
كما يأمل المحلل السياسي اليمني في أن يشرك غروندبيرغ أصحاب المصلحة في عملية السلام مثل الصحافيين والمخفيين قسراً وغيرهم، «ويجب أن تكون بياناته أكثر وضوحاً بالإشارة إلى الأطراف المعيقة للسلام والأطراف التي تنتهك حقوق الإنسان، إذ إن الإشارة للمنتهكين والمعرقلين ستساعد اليمنيين والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية في معرفة من يقف حجر عثرة أمام سلام حقيقي وعادل لليمنيين».
ويرى الدبعي أن هناك ضرورة للضغط على الحوثيين لقبول المبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن. والضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ اتفاق الرياض بشقيه السياسي والعسكري، وعودة الحكومة اليمنية إلى عدن حتى تستطيع تقديم الخدمات للمواطنين وتطبيع الأوضاع في المناطق المحررة.
من جانبها، تذهب ياسمين الناظري وهي المديرة التنفيذية لمبادرة مسار السلام اليمنية، إلى ضرورة «تجاوز أسلوب المبعوثين السابقين في عدم الاهتمام بعامل الوقت». وتقول إنه الأمر الذي «يضعف أي مقترح للمعالجات المتعلقة بالقضية اليمنية ويخلق إشكالات جديدة تكون عقبة في إيجاد الحلول المناسبة»، وتستدل بالمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الساحل الغربي، وتقول إنها «عناصر لم تكن في الأساس موجودة في قرارت الأمم المتحدة وأجندتها لولا استرخاء المبعوثين الأمميين».
وتنصح الناظري المبعوث الجديد «بأن يستفيد من أخطاء المبعوث السابق من عدم فهم القضية اليمنية بالشكل المطلوب مما أظهره أنه غير حيادي ومتحيز لطرف، وأن يأخذ بالاعتبار قرارات مجلس الأمن ويبني عليها، وألا يضع نفسه في برج عاجي ويقترب أكثر من أصحاب القضية ويسمع لهم باهتمام»، وتضيف: «عليه ألا يكتفي بالنظر لحل القضية اليمنية من خلال الملف الإنساني، وهي نظرة ضيقة وسطحية تُركز على حلول مؤقتة، ولا تعالج المشاكل من جذورها». وزادت المديرة التنفيذية لمبادرة السلام اليمنية مسألة «دعم مشاركة المرأة والشباب بصورة فاعلة في المسارات الثلاثة، لما لهم من أهمية في صياغة شكل السلام المستدام الذي يطمح إليه جميع اليمنيين».
الناشط السياسي والحقوقي اليمني همدان العليي يشدد على أن يبدأ المبعوث من حيث انتهى سلفه. ويقول إن «مشكلة المبعوثين الأمميين أنهم لا يستفيدون ممن سبقهم، كل ما يفعلونه هو الضغط على الحكومة اليمنية لتقديم تنازلات تلو التنازلات للحوثيين، اعتقاداً منهم بأنهم بذلك سينجحون في إقناع الحوثيين بإنهاء الحرب وإيقاف مشروعهم المرتبط بإيران».
ويستطرد العليي بالقول: «عندما جاء جمال بنعمر قدمت الحكومة تنازلات للحوثيين وأشركتهم سياسياً وإدارياً، لكنهم في المقابل رفضوا تسليم السلاح للدولة والامتثال لقوانينها، وانتهى الأمر بانقلابهم على السلطة الشرعية في سبتمبر (أيلول) 2014. وعندما جاء إسماعيل ولد الشيخ أحمد تم الضغط على الحكومة اليمنية التي قبلت إيقاف عمليات تحرير صنعاء وتوقفت على أبواب صنعاء وقبلوا مقترحات أممية للحل في اليمن ووقعوا عليها في الكويت، لكن الحوثيين رفضوا هذا الحل الأممي واستمروا حتى عادوا إلى الجوف، وها هم على أبواب مأرب. ومن ثم جاء مارتن غريفيث، وسعى إلى تحويل الخطاب الدولي بعدما كان يصف الوضع في اليمن على أنه انقلاب جماعة على الحكومة اليمنية، أصبح يقول (أطراف الصراع)، وتمت مساواة الجماعة المتطرفة بالحكومة الشرعية التي تمثل كل اليمنيين». ويكمل الناشط السياسي والحقوقي قائلاً: «كما تم الضغط على الحكومة اليمنية لتقبل باتفاق استوكهولم… لكن هل طبقه الحوثيون؟ هل توقفت الحرب؟ لم يحدث ذلك».
ويخشى كثير من اليمنيين من مجيء المبعوث الجديد ليضغط على الحكومة اليمنية باعتبار العالم يملك أدوات ضغط على الحكومة، والحديث لهمدان العليي، «بينما لا يملك أدوات ضغط دبلوماسية وسياسية ضد جماعة ارهابية، وهذا ما يقدم خدمات جديدة للجماعة التي يعرف اليمنيون والراسخون في فهم التعقيدات اليمنية أنها تعيش من أجل مشروع ويصعب عليها الحياد عنه».
وحذر العليي من استهداف القرار 2216 الأممي، وقال: «هناك من يعتقد أن الحل يأتي عبر مساواة الأطراف وإلغاء القرار 2216 وإجبار الحكومة الشرعية للدخول في اتفاق سلام لا يضمن حقوق اليمنيين؛ على رأسها المساواة ومعالجة مشكلة العنصرية التي تقوم على أساسها جماعة الحوثي، ويجب على المبعوث عدم استهداف القرار 2216، لأن ذلك لن يقود إلى سلام وسيحول المعركة بدلاً من أن تكون بين حكومة معترف بها وتمثل كل اليمنيين، ضد جماعة عنصرية مدعومة من إيران إلى حرب بين جماعات خارج إطار الدولة تقاوم الحوثيين، وهذا ليس من مصلحة المنطقة أو المجتمع الدولي… النجاح الحقيقي هو إيقاف الحرب والدخول في سلام عادل يضمن حقوق كل اليمنيين على رأسها مبدأ المساواة. لا يمكن أن يكون هناك سلام بلا عدل»، وزاد: «يعتقد المبعوث السابق بأنه نجح في إيقاف الحرب في الحديدة باتفاق استوكهولم الذي لم ينفذه الحوثيون… لكن هذا ليس نجاحاً لأن المعاناة مستمرة والحرب ستعود بلا شك».