“الواقع الجديد” الأربعاء 5 مايو 2021 / متابعات
خلص خبراء وأكاديميون ورجال مال وأعمال في اليمن إلى أن أبرز مسببات تدهور صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية يعود إلى جملة من العوامل الاقتصادية والسياسية، وأسباب أخرى مرتبطة بالحرب المشتعلة في البلاد منذ أكثر من 6 سنوات.
وقال المختصون والخبراء إن من أبرز مسببات تدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية هو تزايد الفجوة بين العرض والطلب من العملات الأجنبية في السوق بسبب زيادة الطلب على العملة الناتج عن زيادة الطلب على السلع المستوردة لأسباب من أهمها زيادة عدد السكان، وضعف الإنتاج المحلي، والمضاربة في العملة، والشلل في التحكم في السوق بسبب ضعف البنك المركزي وتقسيمه بين عدن وصنعاء.
يضاف إلى ذلك الحرب القائمة في البلاد منذ أكثر من 6 سنوات والاضطرابات السياسية واستخدام العملة والاقتصاد وسيلة من وسائل الحرب بين أطراف الصراع المختلفة، بالإضافة إلى ما أحدثته هذه الحرب من تأثير سلبي على مستويات الإنتاجية وعلى الاستثمار، مما أدى إلى تراجع هائل في المنتوج الاجتماعي الإجمالي لاقتصاد البلاد.
ورأى المختصون من خلال حلقة نقاش عن بُعد نظمتها رابطة الاقتصاديين وشارك فيها نحو مئة من الخبراء والباحثين ورجال مال وأعمال، أن إيقاف إنتاج وتصدير النفط والغاز تسبب في ضعف موارد البلاد من النقد الأجنبي، ونضوب رصيد الدولة من العملات الصعبة، وفقدان كثير من موارد النقد الأجنبي مثل توقف القروض والمنح والمساعدات، وضعف تحويلات المغتربين، وتوقف الاستثمار الأجنبي، وهجرة رؤوس الأموال إلى الخارج بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد منذ عام 2011.
إيقاف إنتاج وتصدير النفط والغاز تسبب في ضعف موارد البلاد من النقد الأجنبي (رويترز)
ضعف البنك المركزي
وذهب المختصون إلى أن من أسباب تدهور العملة المحلية هو عدم قيام البنك المركزي اليمني بمهامه في مجال تحديد سعر الصرف وترك أمر تحديده لصالح السوق غير النظامية مثل محلات ومؤسسات الصرافة، مع ضعف التنسيق مع البنوك التجارية والبنوك الإسلامية، وكذلك تخلي البنك المركزي عن توفير النقد الأجنبي لتمويل احتياجيات الاستيراد، وعدم قيام الإدارة العليا في البنك المركزي -عدن- بالمهام المناطة بها.
وانقسمت الإدارة العليا للبنك المركزي إلى 3 إدارات (الإدارة العليا الرسمية في عدن، والإدارة العليا بصنعاء المعينة من قبل سلطة الأمر الحوثية، والثالثة في محافظة مأرب)، وبالتالي انعدام وجود سلطة وإدارة عليا واحدة ومركز واحد لاتخاذ القرار في مجال السياسة النقدية عموما وسياسة سعر الصرف خصوصا، وهو ما يؤثر بشكل كبير على تدهور صرف العملة، إلى جانب غياب تأثير السياسة النقدية وأدواتها الخاصة بالتدخل في ضبط سعر الصرف ووقف تدهوره.
ويتفاوت سعر صرف الريال اليمني من منطقة لأخرى بسبب تقاسم السيطرة على المناطق بين الحكومة وجماعة الحوثي، وتشكل فوارق الصرف نسبة كبيرة جدا، الأمر الذي أحدث فجوة كبيرة لاسيما مع فرض مليشيات الحوثي رسوما كبيرة على الحوالات النقدية من عدن إلى صنعاء وبنسبة تقارب 40%، معللة ذلك بأنه فارق سعر الصرف للدولار الواحد (900 ريال في عدن و600 ريال في صنعاء).
كما عمد الحوثيون إلى اتخاذ جملة قرارات خصوصا بعد نقل إدارة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، بهدف وضع الحكومة في موضع الفشل كما يقول عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن الدكتور محمد عمر باناجة، حيث أقرت جماعة الحوثي بعدم اعتماد النقود من المطبوعات الجديدة، الأمر الذي ضاعف من مسألة المضاربة على طبعات النقود القديمة وعملت على استنزاف الطبعات القديمة من أسواق المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، مما قاد إلى فجوة في أسعار الصرف بين صنعاء وعدن.
الأمر الذي دفع الحكومة الشرعية إلى إغراق السوق بمطبوعات نقدية جديدة لمواجهة التزاماتها دون أحكام، في حين ظلت الموارد المحلية والمركزية تحصّل وتودع خارج القنوات الرسمية، مما ضاعف من تدهور قيمة الريال في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
البنك المركزي اليمني لم يقم بمهامه في تحديد سعر الصرف وترك الأمر لصالح السوق غير النظامية (رويترز)
الحلول المتاحة
يرى خبراء اقتصاديون شاركوا في حلقة النقاش أن خلق نوع من الاستقرار المعقول في سعر صرف العملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية يكمن في استعادة الثقة بالبنك المركزي من جهة، والبنوك التجارية من جهة أخرى، وتعزيز العلاقة بينهما ورجال الأعمال، وذلك بالسماح لرجال الأعمال بالوصول إلى ودائعهم والسحب منها بحرية طالما السحوبات في الإطار المسموح به.
ويقول المدير العام للموارد في وزارة الحكم المحلي صالح الجفري إن على البنك المركزي وبالتنسيق مع البنوك التجارية والإسلامية تفعيل السياسات النقدية اللازمة لجذب الودائع بالعملات الأجنبية إلى الجهاز المصرفي لتعزيز موقف الريال مقابل العملات الأجنبية، ويرى الجفري ضرورة تحييد الاقتصاد عن الحرب والسياسة، وإيجاد سلطة بنك مركزي واحدة، وإعادة تنشيط المنظومة المصرفية تحت إدارة البنك المركزي لضبط سوق الصرف الأجنبي.
ويرى الخبراء أنه يجب تعزيز موارد البلاد من النقد الأجنبي عن طريق إعادة إنتاج وتصدير النفط والغاز، وتوريد قيمة المبيعات إلى حسابات البنك المركزي -التي توقفت منذ 6 سنوات-، وضرورة توريد الموارد السيادية وغيرها من موارد النقد الأجنبي من المصادر المختلفة إلى البنك المركزي لدعم رصيد البنك من العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في دعم موقف الريال اليمني في السوق وخلق حالة من الاستقرار لإيقاف نزيف العملة.
كما يجب تنظيم نشاط محلات الصرافة وتعزيز الرقابة على نشاطها وفقا للقانون، كما يقول الدكتور حاتم باسردة رئيس قسم اقتصاد الأعمال بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن، والحد من المضاربة غير المشروعة بالعملة، والتوقف عن طباعة أي عملات جديدة للريال دون وجود غطاء رسمي، وتأمين الاستيراد وذلك بتوفير رصيد دائم في البنك المركزي.
ويدعو الدكتور محمد باناجة إلى تشجيع الإدارات المركزية للبنوك التجارية والاسلامية الموجودة في صنعاء على نقل مركز عملياتها المصرفية إلى العاصمة المؤقتة عدن، وذلك باستخدام أساليب الترغيب وتقديم الحوافز القانونية لها، وأن تطلب تقديم المغريات لها من خلال أدوات السياسة النقدية المباشرة وغير المباشرة.
ويرى الباحث الاقتصادي صالح الجفري ضرورة أن يتم توريد مرتبات المسؤولين وضباط وأفراد القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية والأمنية المختلفة التي تصرف بالنقد الأجنبي إلى البنك المركزي، ومن ثم يقوم البنك المركزي بصرفها لمن هم في الداخل بالريال اليمني بسعر صرف متفق عليه.