“الواقع الجديد” السبت 24 ابريل 2021 / خاص
كشفت مسؤولة دولية رفيعة عملت في صنعاء، عن حقائق استخلصتها من تجربتها مع الأطراف اليمنية على امتداد ثلاث سنوات، ضمنتها في شهادة جريئة تسرد لأول مرة على لسان مسؤول دولي أممي رفيع.
جاء ذلك في إحاطة لمنسقة الأمم المتحدة السابقة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، قدمتها في جلسة استماع أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة مكافحة الإرهاب الأميركية.
وقالت ليزا غراندي، إن مليشيات الحوثي لم تكتف بالسيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة شمالي اليمن، بل “أسست نظاماً ضاراً ومفترساً وسلطة منفصلة واسعة الصلاحيات، ومؤسسات موازية تعمل بها الجماعة حصراً من دون مساءلة”.
اغتصبوا الزكاة
وتابعت في الإحاطة التي حضرها تيم ليدركينغ، المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، ومديرة السياسات والمناصرة في لجنة الإنقاذ الدولية أماندا كاتانزانو، “لقد اغتصب الجماعة الزكاة، وهي ركن أساسي من أركان الحماية الاجتماعية، وجعلوها ضريبة إلزامية، وفرضوا تعريفات صارمة على الزراعة والتجارة”.
وكانت الحكومة الشرعية وقطاعات مدنية وشعبية قد استنكرت الإجراءات الحوثية في إصدار تعديلات تحت مسمى “اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة”، تم فيها تخصيص امتيازات حصرية لهم من إيرادات الدولة عن بقية اليمنيين.
وتعليقاً على ذلك، قال رئيس الحكومة اليمنية الشرعية، معين عبد الملك، في تغريدة على حسابه في “تويتر” “نشر الحوثيون لما أطلقوا عليه قانون الزكاة القائم على التمييز السلالي والعنصري، لا يكشف فقط عمق إيغال هذه الجماعة في تمزيق نسيج المجتمع ورفضها لقيم المواطنة المتساوية، بل يوضح أيضاً مدى استخفافها بالشعب وبالعالم وبكل فرص ودعوات السلام”.
وأكدت غراندي أن جميع الإيرادات العامة تقريباً، يتم تحويلها بشكل مباشر إلى المؤسسات الخاضعة لسيطرة الحركة، بما في ذلك البنك المركزي بصنعاء.
وعلق شمسان أبو نشطان، رئيس الهيئة العامة للزكاة في حكومة الميليشيات، على الجدل الذي أثير حول قانون الجباية الجديد قائلاً “قانون الزكاة صدر منذ فترة طويلة، وإثارة الموضوع في الوقت الحالي يستهدف الهيئة العامة للزكاة وأنشطتها، التي أسهمت في تخفيف الفقر الذي تسبب فيه العدوان والحصار، على حد قوله”.
تخريب القطاع الخاص
وأشارت المسؤولة الأممية التي عملت من صنعاء مسؤولة مباشرة عن منظمات الأمم المتحدة، منذ مارس (آذار) 2018 حتى ديسمبر (كانون الأول) 2020، إلى استخدام الحوثيين هذه الأدوات التنظيمية “لتحويل الإيرادات من السلع والخدمات العامة إلى مقاتليهم، وقيامهم بتخريب شركات القطاع الخاص التي لا تتعاون معهم، والتلاعب بالعملة والسيولة من أجل مصالحهم، وليس مصالح عامة الناس”.
حديث غراندي يذكر بما حواه تقرير لجنة الخبراء الدوليين التابع للجنة العقوبات الدولية بمجلس الأمن، الصادر نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي بشأن اليمن، الذي اتهم خلاله ميليشيات الحوثي “بعرقلة العمل الإنساني والثراء غير المشروع والتنافس المحموم بين قيادات الميليشيات لإثراء أنفسهم من الموارد الحكومية والعامة”.
وقالت المسؤولة الأممية لأعضاء لجنة الخارجية ومكافحة الإرهاب بمجلس الشيوخ، إن الميليشيات الحوثية “فرضت مئات القيود على المساعدات الإنسانية”، سعيا منها إلى “التحكم في نوع وتدفق المواد واستهداف جميع أشكال المساعدة”.
بيئة سامة
وفي توصيف هو الأول من نوعه لمسؤول أممي رفيع، قالت غراندي، إن ممارسة الحوثيين التعسفية للسلطة واعتمادها على “الآليات والأنظمة الإدارية القمعية، تضافرت “لخلق واحدة من أكثر بيئات العمل السامة وغير المسموح بها في العالم للعاملين في المجال الإنساني”.
وفي أبريل (نيسان) من العام الماضي، قال وزير الإعلام اليمني، معمر الإريانى، إن الحوثيين “يحرمون ملايين اليمنيين الذين تقطعت بهم السبل بعد نهب مرتباتهم وشلل القطاع الخاص في مناطق سيطرتها، من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة وترسلها لبيعها في الأسواق لتعزيز عناصرها في مختلف جبهات القتال”.
ضرورة زيادة التبرعات
غراندي التي تتولى حالياً منصب رئيس معهد الولايات المتحدة للسلام، حثت في إحاطتها واشنطن على ممارسة المزيد من النفوذ لإنهاء الصراع الدائر في اليمن وتجنيب البلاد الفقير مآسي أكثر، آملة في “إمكانية صناعة فارق، لتخفيف المعاناة الإنسانية التي هي أكثر إلحاحاً من بين العديد من الأشياء التي يجب القيام بها في اليمن”.
وفي ختام حديثها تقدمت المسؤولة الأممية السابقة، بأربع خطوات ممكنة لإنقاذ الشعب اليمني تتمثل في “زيادة تبرعات المانحين للوكالة الإنسانية، ورفع الإجراءات التقييدية المفروضة على الاقتصاد اليمني، والسماح بدخول البضائع الأساسية وحرية التنقل، وضخ الأموال في البنك المركزي في عدن”، الأمر الذي سيحسن السيولة ويساعد في دفع رواتب الموظفين العموميين في الشمال.
ولم يصدر من الجماعة التي تسيطر على صنعاء ومؤسساتها أي تعليق على الإحاطة، إلا أن القيادي محمد الحوثي كتب على حسابه في “تويتر”، إن التقارير الأممية لم تقدم سوى “إحاطة عسكرية تحوي اتهامات باطلة، وتسويقه للحرب على اليمن مجدداً”.
تحديات بيروقراطية في الشمال
من جانبها، قالت لجنة الإنقاذ الدولية إن “التحديات البيروقراطية في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي تمثل أكثر من 90 في المئة من التحديات والمعوقات أمام وصول المساعدات للمحتاجين”.
وأوضحت، أماندا كاتانزانو، مديرة السياسات والمناصرة في لجنة الإنقاذ الدولية، أن “قضايا تأخير الموافقات على البرامج تبطئ من إيصال المساعدات للمحتاجين، مما أجبر العاملين في المجال الإنساني على تقليص حجمهم على الرغم من الحاجة المتزايدة”.
وطالبت كاتانزانو، خلال جلسة استماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حول اليمن، التصدي للقيود المفروضة على العمليات الإنسانية في اليمن.
وأكدت أن المنظمات غير الحكومية تحتاج إلى مشاركة رفيعة المستوى بين الأمم المتحدة والدول المانحة لإزالة الحواجز البيروقراطية المستمرة في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي.
وكانت دراسة تحليلية لصحيفة “واشنطن بوست”، عن “الآثار العميقة للصراع على الأسر اليمنية” خلصت إلى أنه منذ عام 2015، استنفد 62 في المئة من اليمنيين مدخراتهم، أو اضطروا إلى بيع ممتلكاتهم لدفع ثمن الطعام والماء، وعلى الأخص المجوهرات والموروثات العائلية.