“الواقع الجديد” الاربعاء 23 سبتمبر 2020 / متابعات
حكومة لبنان لم تتألّف بعد، ولا أحد يعرف كيف يمكن تجاوز العراقيل التي تحول دون تأليفها، وما إذا كانت ستتألّف أصلاً. ومن غير المعروف أيضاً مصير المبادرة الفرنسيّة، وما إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وارد تمديدها مجدّداً. ولم يكن ينقص مشهد تأليف الحكومة المعطّل سوى التوتر الطائفي والمذهبي، الذي يضغط بكلّ ثقله، ليس على ملف التأليف فحسب، بل على البلد بشكل عام، لكونه استحضر إلى الأذهان صور الماضي، وما أصاب البلد من ويلات ونكبات، وآخرها الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت وأجزاء منها.
وجاء هذا التمترس في ذروة الاحتدام السياسي بين فريق التأليف الذي يتقدّمه من جهة رؤساء الحكومات السابقون، وبين الثنائي («حركة أمل» و«حزب الله») من جهة ثانية، على حلبة وزارة المالية، والذي كما هو مؤكّد وصل إلى نقطة اللاعودة بين الطرفين. وهذه اللاعودة تشي بأنّ حظوظ تشكيل حكومة مصطفى أديب باتت منعدمة بالكامل، إلّا إذا حدثت معجزة قرّبت المسافات بين المختلفين وعدّلت من توجّه الرئيس المكلّف نحو الاعتذار.
وفي خضمّ هذه الأجواء، لم تسلك المبادرة الفرنسيّة بعد طريق الخروج من نفق التعطيل والعرقلة، تحت وطأة تشبّث الثنائي بشروطه، بينما الأفكار والطروحات الداخلية، التي يتمّ تداولها كمخارج للأزمة، تتساقط تباعاً حتى الساعة، في حين تردّدت معلومات مفادها أنّ الفرنسيّين باتوا يميلون إلى التعامل مع مطلب الثنائي، المتمسّك بحقيبة المال، باعتباره مطلباً غير ميثاقي، لا سيّما في ضوء رفض مختلف المكوّنات اللبنانيّة له. أمّا قراءات الساعات الأخيرة، فضجّت بالإشارة إلى أنّ القناعة الدوليّة والعربيّة باتت تجنح إلى ربْط عرقلة الثنائي (أمل وحزب الله) لولادة الحكومة بأبعاد إيرانيّة، والى أنّ شرْط الاستحواذ على حقيبة المال أتى بهدف تعطيل المبادرة الفرنسيّة.
إلى ذلك، ارتفع منسوب التوقّعات بأن يفضي الضغط الفرنسي إلى إيجاد حلول تسوويّة للملفّ الحكومي، مستفيداً من منسوب التوتر والضغط الذي بدأ بالتصاعد داخلياً على أكثر من مستوى وجبهة في مواجهة ثنائي «حزب الله» و«حركة أمل». ذلك أنّ باريس، وبحسب تأكيد مصادر سياسيّة معنيّة لـ«البيان»، لن تتخلّى عن مبادرتها بسهولة، وستعمل المستحيل لترجمتها على أرض الواقع.
وقف الانهيار
وأبعد من المعايير، فإنّ حكومة أديب أعطت نفسها مزيداً من الوقت، وخرج رئيسها ببيان دعا فيه إلى إنجاح المبادرة الفرنسيّة فوراً، وتسهيل تأليف حكومة اختصاصيّين توقف الانهيار، في حين بدا أنّ فرنسا قد سارت مع تمديد المهل وعلّقت الأزمة اللبنانيّة على أعمدة دوليّة تمرّ في الاتحاد الأوروبي وأمريكا وإيران، فيما لبنان لا يقوى، ليس على توافق حكومي فحسب، بل يقع صريع الخلافات عند كل تفصيل.
وفي المحصّلة، يبدو مأزق تأليف الحكومة الجديدة متّجهاً نحو مراحل متقدّمة من التصعيد، لكوْن الانسداد السياسي بلغ حدوداً متقدّمة، من خلال انعدام الاتصالات والتحرّكات وبقاء كلّ المواقف على حاله، وتجميد الرئيس المكلّف اعتذاره حتى إشعار آخر.