“الواقع الجديد” الجمعة 4 سبتمبر 2020 / متابعات
كشفت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في تقريرها الأخير عن تهريب الأسلحة التي تزود إيران الحوثيين (أنصار الله) في اليمن بها إلى الصومال، مرجحة أن تكون تنقل من هناك إلى مناطق ساخنة أخرى في إفريقيا.
وجاء في نشرة المخاطر الصادرة في تموز-يوليو/ آب-أغسطس، أن “إمدادات إيران من الأسلحة والذخيرة للمتمردين الحوثيين قد وثقت توثيقا جيدا عبر سلسلة من عمليات بحرية يعود تاريخها إلى عام 2015، وتم خلالها الاستيلاء على مراكب شراعية”.
وأضاف: “ظهرت أدلة تشير إلى أن شبكات إجرامية تقوم بتهريب بعض من هذه الأسلحة الإيرانية لاحقا من اليمن إلى القرن الأفريقي (أو حتى يتم تحويل مسارها وهي في طريقها إلى اليمن)”.
ومن أحدث الأمثلة على هذه العمليات، المركب الشراعي الذي اعترضته قوات التحالف بقيادة السعودية في 24 حزيران/يونيو الماضي، وصادرت على متنه كمية من الأسلحة الإيرانية كانت متجهة إلى الحوثيين.
وتابع تقرير المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، أن “الشحنة المضبوطة كانت تحتوي على 1300 بندقية هجومية، فضلا عن بندقيات قنص وقاذفات آر بى جي وصواريخ موجهة مضادة للدبابات”.
وفي شباط/فبراير الماضي، اعترض الجيش الأميركي مركبا شراعيا في بحر العرب كان متوجها إلى اليمن ناقلا أسلحة إيرانية الصنع إلى الحوثيين.
وأعلنت حينها القيادة المركزية الأميركية، أن منظومة الأسلحة التي تمت مصادرتها “تتطابق” مع تلك التي عثر عليها في مخبأ للأسلحة صادرتها المدمرة الصاروخية الأميركية يو أس أس فورست شيرمان في بحر العرب يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر.
ولفت التقرير إلى أنه في كلتا الحالتين، فإن توريد الأسلحة الإيرانية للحوثيين في اليمن ينتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران منذ نيسان/أبريل 2015، والذي من المقرر أن ينتهي في 18 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
إلى هذا، ينتهك توريد إيران للأسلحة قرارات الأمم المتحدة السابقة التي تحظر تصدير الأسلحة إلى إيران واستيرادها منها، بما في ذلك القرار 1737 لعام 2006 والقرار 1747 لعام 2007 والقرار 1929 لعام 2010.
أسلحة إيرانية في الصومال
في حزيران/يونيو الماضي، كلفت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية مخبرا لها أطلقت عليه اسم “جامع”، وهو مواطن صومالي ناطق بالعربية ويعيش في نيروبي.
وتواصل جامع مع تاجر أسلحة في العاصمة اليمنية صنعاء أشير إليه باسم مستعار هو جابر الهادي، وأوهمه أنه يسعى للتوسط في صفقة أسلحة لصالح عميل (وهمي) من جنوب السودان.
وطوال الفترة الممتدة بين 27 حزيران/يونيو و5 تموز/يوليو، تبادل الهادي وجامع عشرات الرسائل الصوتية المسجلة عبر تطبيق واتساب.
وذكر تقرير المبادرة أن “الهادي قدم معلومات مفصلة حول نشاطه، شملت جردة بمخزونه الراهن من الأسلحة وشركائه والوسائل المفضلة لتلقي التحويلات المالية”. وأردف أن الهادي “عرض أيضا صورا عدة لأسلحة موجودة في مستودعه بصنعاء، بينها صورة تظهر الرقم التسلسلي لبندقية كلاشنكوف صينية الصنع من نوع 56-1”.
واستناداً إلى هذا الرقم التسلسلي، تحققت المبادرة بالدليل القاطع أن البندقية تحمل خصائص مشتركة مع الأسلحة التي أفادت تقارير بأن إيران قدمتها إلى الحوثيين. وعلاوة على ذلك، تم توثيق البندقية ذاتها وبرقم تسلسلي متشابه إلى حد كبير في وسط الصومال في نيسان/أبريل 2019.
وبناء على هذا البحث، خلصت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية إلى “وجود شبكات تهريب أسلحة غير مشروعة تعمل على نقل الأسلحة الإيرانية المتوجهة لليمن إلى الصومال، وربما إلى دول أخرى”.
والصومال هو موطن جماعة الشباب الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، وهي دولة تخضع لحظر أسلحة تفرضه الأمم المتحدة عليها منذ عام 1992.
لذلك، تعتبر جميع عمليات استيراد المعدات العسكرية إلى البلاد خارج نطاق إعفاءات محددة لحظها مجلس الأمن في الأمم المتحدة، انتهاكا للقانون الدولي.
مصالح إيران التوسعية
وفي هذا الإطار، قال رئيس مركز أبعاد للأبحاث والدراسات، عبد السلام محمد، إن “الأسلحة التي يهربها الحوثيون إلى إفريقيا، تشير إلى أن إيران قد حولت اليمن الى مركز رئيس لتصدير الذخيرة والسلاح للجماعات الارهابية”.
وأضاف للمشارق أن هذا المؤشر “يعني أن الحوثيين تدرجوا من الاكتفاء إلى التصدير، وأن إيران باتت اليوم تسيطر سيطرة كاملة على اليمن…وتشكل تهديدا للقرن الإفريقي والخليج على حد سواء”.
وأوضح أن تهريب إيران للسلاح إلى اليمن ومنه إلى القرن الإفريقي، يكشف “مدى عبث النظام الإيراني بأمن واستقرار دول المنطقة والتجارة الدولية، ومدى انتهاكه للقانون الدولي”.
من جانبه، قال المحلل السياسي عادل الشجاع أن “هذه الأدلة تؤكد أن إيران دولة لديها مصالح توسعية، ولكي تحقق مصالحها لا بد من استخدام القوة المتمثلة بامتلاك السلاح”.
ولفت للمشارق إلى أن “إيران تحاول بكل الوسائل دعم حلفائها الحوثيين ومدهم بالسلاح، وهي تلجأ إلى التهريب بطرق مختلفة نتيجة للحظر المفروض عليها”.
أما المحلل السياسي فيصل أحمد، فاعتبر أن تهريب إيران للسلاح إلى اليمن ودول القرن الإفريقي يأتي ضمن خططها للاستيلاء على مضيق باب المندب.
وأوضح أن إيران تسعى عبر حلفائها الحوثيين وتهريب الأسلحة للصومال، إلى بث الفوضى في المنطقة واستخدام الممر التجاري الدولي الاستراتيجي في حال تحرك المجتمع الدولي لتشديد العقوبات ضدها.
وأكد أحمد أن “إيران أصبحت مصدرا لعدم الاستقرار في المنطقة عبر إطالة أمد الحرب في اليمن منذ أكثر من خمس سنوات، إضافة إلى تنفيذها عمليات إرهابية في المياه الإقليمية استهدفت السفن التجارية عبر الألغام البحرية أو الزوارق المفخخة”.
وأشار إلى أن الحرس الثوري الإيراني لديه “وحدات خاصة تتولى تهريب ونقل الأسلحة إلى حلفائه، وبعض هذه الأسلحة استخدم لمهاجمة شركة أرامكو السعودية وإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي”.
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في حزيران/يونيو الماضي أن صواريخ الكروز والطائرات المسيرة التي استخدمت في هجمات أيلول/سبتمبر 2019 على منشآت النفط السعودية، هي “من مصدر إيراني”، سواء القطع التي صنعت في إيران أو تم تصديرها إليها.
وذكر أحمد أن “إيران تستخدم السفن التقليدية والجزر اليمنية، حيث تسلك من هناك شحنات الأسلحة المهربة أحد طريقين، إما إلى اليمن وإما إلى الصومال، أو إلى دول أخرى في القرن الإفريقي”.
وختم مؤكدا أن “تهريب إيران للأسلحة يعتبر انتهاكا للقوانين الدولية ولقرارات مجلس الأمن الدولي”.