((الواقع الجديد)) السبت 5 نوفمبر 2016
حاوره : أ. علي سالمين العوبثاني
” الحلقة السادسة “
تعرفنا في الحلقة السابقة على الطرق التي تتم من خلالها تسوية الخلافات الشخصية وكذلك القضايا في مجالس الحكام سواء بالحلول الودية أو الأحكام التي تصدر بين فريقي القضية ، وكذلك الدور النموذجي الذي يلعبه بعض الحكام بالمرافعة نيابة عن عديمي المال واللسان والرجال مساهمة منهم في إرساء قواعد العدالة الاجتماعية .
واليوم هناك سؤالان مهمان دارا بخلدي يطرحان نفسيهما بإلحاح .. السؤال الأول مفاده : ما موقف الحاكم من المدعي الذي يضع قضيته أمامه للبت فيها ولم يلتزم بحضور مواعيد الجلسات ؟ أو بمعنى أدق يُهمِل متابعتها إن جاز لنا التعبير .. وهل كل من طُلبت منه عدالة ملزم بتقديم عدالته لمن طالبه ؟
والسؤال الآخر : ماذا عن القضايا التي لم يتم التعرف على مرتكبي الحوادث فيها وتقيد ( ضد مجهول ) ؟ هلا أجبتني على هذين السؤالين ؟
(ج) هذا السؤال عام وواسع وتصعب الإجابة عليه بصورة تفصيلية ، ولكني سأجيب عليه بقدر المستطاع ، أتمنى أن يؤدي جوابي إلى فهم القراء الكرام لموروث أجدادهم رحمهم الله .
أما بشأن الإجابة على الشق الأول من سؤالك : فإنه في بعض القضايا تجد أن الطرف المدعي كما جاء في سؤالك لا يتابع قضيته المنظورة أمام الحاكم الذي وافق عليه وأختاره بنفسه ويحدث هذا غالبا عندما يشعر بأن حجته ضعيفة في دعواه وأيضا إذا كانت العدالة المرسية من قبله لم تكن بالمستوى المطلوب ، لذلك تجده يتهرب من المواعيد المحددة من قبل المرجع دون إشعاره بعذر مقبول .. وبعد تكرار غيابه ، يمنح الحاكم الطرف الحاضر ما يلزم أي ( إن الطرف المُدعى عليه حضر أمامي واحضر كل ما طُلب منه وإنه ملتزم بالمواعيد ، غير أن من أدعى عليه يتغيب دون أعذار ، ولم يحضر المواعيد رغم تكرار استدعائي له ) وهذا الكلام يسمى في العرف بـ ( الوقوف ) أي موقف .. هنا تسقط دعواه وتنطف عدالته أي ( تصادر ) .. وعلى إثر ذلك لا يحق للمدعي المتغيب أن يطالب الطرف المُدعى عليه بأي حال من الأحوال في هذه القضية .
وفي هذا السياق استحضرت قصة لقضية مماثلة حدثت في أحد الأودية ..كانت منظورة أمام أحد المراجع بين غريمين يتنازعان على ملكية نخلة في تلك المنطقة ، وفي اليوم الذي سبق الموعد كان هناك قطار ( قافلة ) متجه إلى المكلا ، أبلغ المدعي غريمه في القضية ، بأنه يريد مرافقة القافلة لكونه محتاج لجلب مواد غذائية لأولاده ، فقال له الآخر : هل تود تأجيل الموعد المقرر .. قال له : لا .. سأعطيك دعواي وبلغها أنت للحاكم وأجب عليها عنده .. فقبل منه ذلك .. وفي اليوم التالي حضر أمام الحاكم الذي سأله عن هويجه .. فأجاب بأنه تحرك للمكلا .. فقال له الحاكم : نؤجل الموعد لحين حضوره .. قال له : لقد أعطاني دعواه .. وقام بالقائها شفهياً على الحاكم ،وبعد النظر في الدعوى ، قبلها الحاكم وطلب منه الجواب عليها ، وبعد دراسة الدعوى والجواب .. قام الحاكم مع مستشاريه برفقة هذا الطرف بالنزول إلى موقع النزاع ، وعلى ضوء الدعوى والجواب ومعاينة موقع النزاع أصدر حكمه القاضي بـ ( أحقية الطرف الغائب بالدعوى ) وأن النخلة تعود ملكيتها للطرف المدعي (الغائب ) .
هنا أستاذ علي نتوقف عند أولئك الرجال سوى أكان طرفي القضية أو الحاكم الذي أصدر الحكم .. ومدى الثقة والأمانة التي كانوا يتمتعون بها آنذاك رحمهم الله جميعا .
أما الإجابة عن الشق الثاني من السؤال إذا كانت الدعوى واضحة ومنطقية ومعقولة يتوجب من الذي طُـلبت منه العدالة أن يعدل ، أما إذا كانت الدعوى عبثية و غير واضحة ، في هذه الحالة يعدل له عدالة ( نقد – نشد ) بموجبها يجلسان عند أحد مراجع النقد المعروفة إذا قدّا أي ( رأى الحاكم ) للطرف المدعي الحق ودعواه صائبة وجبت له العدالة ، أما إذا رأى الحاكم غير ذلك فأنه يحكم بعدم وجوب العدالة (إغلاق القضية ) .
وبخصوص سؤالك الثاني المتعلق بالتهم فإن القاعدة الشرعية والعرفية المتعارف عليها في الترافع تقضي ( بأن على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين ) وفي هذا النوع من القضايا غالبا ما يفتقر فيها المدعي للبينة ، ويعتبر القسم بالأيمان الفيصل في الأمر ، والقبول باليمين والتسليم به من الطرف الآخر يعد امتثالا لأمر الله تعالى الذي لن يضيع حق من فوض أمره إليه وسينصفه عاجلا أو آجلا .
أما الأعراف والسوارح التي يتم إتباعها في هذا النوع من القضايا فإنه :
إذا حصلت قضية مجهولة في قرية أو نطاق جغرافي صغير أو أثناء رحلة قافلة أو ماشابه ذلك ، وبعد اكتشاف ما حدث سواء كانت قضية قتل أو سرقة ، أو إتلاف أو حريق ..الخ .
حينها يقوم من حصل الفعل تجاههم بإبلاغ الموجودين بما حدث ،وعلى ضوء ذلك يتم التأكد من وجود آثار أقدام ، فإن وجدت آثار يتم التحفظ عليها أي (تحريزها) من قبل الحاضرين ، ويستدعى ذو خبرة في التعقب أي ( قص الأثر ) وهؤلاء يكونون رجال أمناء وصادقين يثق بهم الجميع آنذاك ، إذا تعرفوا على صاحب الأثر يعد ذلك بمثابة الدليل ، أما إن لم يجدوا أثراً أو إن الآثار غير واضحة ، في هذه الأثناء انعدمت البينة لدى صاحب الدعوى وبقي له حق اليمين على كل من أتهم بالقضية .
في هذه الحالة يتعين على جميع المتواجدين تبرئة أنفسهم من التهمة إذا طلب منهم ذلك ، أما إذا كان لديه شك في أحد معين نتيجة وجود خلاف قديم معه أو إن ذلك الشخص سبق وأن هدد بعمل شئ من هذا القبيل أو إنه من ذوي السوابق ، يُطلب منه تبرئة نفسه أمام الحاضرين من خلال القسم بالإيمان الغليظة من الفعل ومن (الهمز واللمز) أي الإيعاز لشخص آخر بفعل الشئ وكذلك من (العلم والدرية ) أي بمعناها عدم العلم والدراية به قبل وأثناء وقوعه .
إذا قبل المتهم وبلغ أي ( أدى ) اليمين المطلوبة منه برأ نفسه ، أما إذا رفض ما طلب منه وأنكر ذلك فإنه يعد المتهم بعينه .
ولكن إذا وجه المدعي الاتهام لأحد الأشخاص الذين لا توجد بينه وبين من أتهمه أية مشاكل أو خلافات ولم يسبق للمتهم أن توعد وأنه ليس من ذوي السوابق وخصه بالفعل من دون الآخرين ، في هذه الحالة وجب على من أتُهم أداء القسم لتبرئة نفسه ، وبعد أن يبلغ اليمين المطلوبة منه ، فإن له حق المطالبة بشرفه من الذي وجه إليه الاتهام عند وافي شرع أي (حاكم )..أما القضية أعلاه والتي لا توجد فيها أدلة والمتهمين أقسموا وبرأوا انفسهم ..هنا يطلق عليها في العرف ( دغيلة ) أي أن فاعلها مجهول .
أعزائي القراء نلتقي في الحلقة السابعة لمتابعة موروث أجدادنا القدامى من خلال الأخ العزيز ” أبوعلي ” الذي أتحفنا على مدى الحلقات الماضية بحديث الذكريات .