الأحد , 22 ديسمبر 2024
michael-pettis

الحمائية لن تعالج الاختلالات التجارية

((الواقع الجديد)) الاثنين 29 يناير 2018 

مايكل بيتس

 

أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترمب مؤخراً عن تعاريف جديدة لألواح الطاقة الشمسية وماكينات الغسيل، مشيرة إلى أن هناك المزيد في الطريق. والدافع وراء هذه الإجراءات هو أن الإدارة ستعمل على تقليص عجز الموازنة التجارية الأميركية، تحديداً العجز التجاري المتزايد مع الصين، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الأميركي. وبدلاً من أن نأخذ افتراضات واشنطن فيما يخص القيمة الاسمية، علينا أن نفكر في كيف أن الحمائية تؤثر على تدفق رأس المال.
فصناع السياسة يتجاهلون بدرجة كبيرة التأثير غير المباشر للتدخل التجاري على رأس المال. لكن ما يحدث لرأس المال هو بالتأكيد ما سيحدد مدى تأثير هذه الإجراءات على الاقتصاد.
فقط فكر في حالة الصين، فإن كانت إجراءات الحماية الهادفة إلى الحد من الفائض في التجارة الأميركية الصينية لصالح الأخيرة قد أدت إلى تقليص الفائض، فهناك ثلاث طرق من المفترض أن تساعد على حدوث ذلك. فتلك الطرق قد تساعد في بقاء تدفق الاستثمارات الصينية إلى الولايات المتحدة على حالها، أو تراجعها، أو ارتفاعها.
في الحالة الأولى، فقد يستمر العجز التجاري الأميركي مع العالم من دون تغيير، بعدما يتحول جانب من عجزها التجاري مع الصين إلى دول أخرى. قد يبدو ذلك غير بديهي، لكن لو أن المصدرين الصينيين أرسلوا برؤوس أموالهم إلى الولايات المتحدة بنفس التدفق السابق الكبير، فسوف تتجلى النتائج الاقتصادية – فيما يخص الدولار وسعر الفائدة ومعايير الإقراض وغيرها – في صورة عجز تجاري أكبر من أي وقت مضى من دون تغيير يذكر على الديون الأميركية أو البطالة.
وفي الحالة الثانية، لو أن إجراءات الحماية عطلت صادرات رأس المال الصيني، فسوف يتراجع عجز رأس المال والفائض التجاري شأن فائض رأس المال والعجز التجاري الأميركي، مما يؤدي إلى تقلص إجمالي العجز التجاري الأميركي الذي يعززه تراجع الديون وتراجع البطالة.
وفي الحالة الثالثة والأخيرة، قد ينتج عن إجراءات الحماية ارتفاعاً في صادرات رأس المال الصينية إلى الولايات المتحدة. وفي هذه الحالة، حتى في حال تراجع الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة، فسوف يرتفع العجز التجاري الأميركي مع غيرها من الدول بدرجة أكبر، مما يؤدي إلى زيادة في إجمالي عجزها التجاري، ويعززه هذه المرة إما ارتفاع الديون أو وزيادة البطالة.
يبدو كثير من الجدل المثار حول سياسة ترمب النقدية وكأنه يفتقد إلى نقطة مفادها، أن التأثيرات الاقتصادية لأي إجراءات تجارية تعتمد على مدى تأثيرها على رأس المال. والسبب في ذلك يرجع إلى أن صناع السياسة يفترضون ببساطة أن التدفق النقدي يتجاوب مع التغييرات التجارية. ورغم أن هذا كان صحيحاً في أغلب فترات التاريخ الحديث، فإنها لم تعد كذلك منذ أكثر من خمسة عقود.
وعلى مدار عقود، كانت التدفقات النقدية ضئيلة، وكانت تتكون من التمويلات التجارية وحساب رأس المال الذي يتعدل تلقائياً حسب متغيرات الحساب التجاري. وقد جعل ذلك من توقع نتائج إجراءات الحماية أمراً سهلاً، حيث إن تلك الإجراءات ستعمل على تقليص العجز التجاري الثنائي، وبالتالي تقليص العجز الإجمالي.
لكن الأمر لم يعد يعمل على هذا النحو، حيث باتت التدفقات المالية العالمية ضخمة وتحركها القرارات المستقلة التي يتخذها ملايين المستثمرين في الولايات المتحدة وفي الخارج. ولأن الحسابات المالية والتجارية يجب أن تكون ذات رصيد صفري، فإن التأثير المباشر للتدخل يجب أن يندرج تحت التأثيرات غير المباشرة على التدفقات النقدية.
بالفعل قد تؤثر التدفقات النقدية على التجارة الثنائية بصورة غير مباشرة، لكن لو أن تدفقات رأس المال الأميركي ارتفعت، فيجب أن يرتفع العجز التجاري الكلي أيضاً. والسبب في ذلك يرجع إلى أن التدفقات الكبيرة سوف تؤدي إلى تعديلات اقتصادية، منها تراجع أسعار الفائدة على كروت الائتمان، ومنح المزيد من القوة للدولار، وضعف معايير الإقراض، وزيادة البطالة وارتفاع سوق الأصول، مما يتسبب في تراجع المدخرات ويدفع العجز الكلي إلى الارتفاع حتى وإن تراجع العجز مع الصين.
لكن لماذا ستزيد إجراءات الحماية من التدفقات النقدية إلى الولايات المتحدة؟ الإجابة هي لو أن تلك الإجراءات زادت من حالة الشك الاقتصادي والمالي في الصين، فإنها ستؤدي إلى زيادة كبيرة في حالات هروب رأس المال الصيني. وبزيادة احتمالات النمو الأميركي، قد يؤدي ذلك إلى زيادة التدفقات النقدية إلى الولايات المتحدة.
ومن المهم هنا إدراك أن الاختلالات التجارية العميقة التي أثرت على الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، قد انعكست بدرجة كبيرة على الحصانة التي يستخدمها غيرها من الدول للدخول إلى حساباتها المالية. ويعتبر سوق رأس المال في الولايات المتحدة عميقاً ومرناً ومفتوحاً بصورة كاملة، مما يجعل الأمر سهلاً على الدول التي تهدف إلى إدارة فوائضها التجارية ووضع مدخراتها المالية هناك.
ونتيجة لذلك، فقد باتت الولايات المتحدة مجبرة على امتصاص نصف مدخرات العالم الزائدة. ورغم أن الشركات الأميركية باتت متخمة برأس المال منخفض التكلفة، وأصبحت تجلس على مؤن غير مستغلة من المال، فلا يزال المال يتدفق على الولايات المتحدة ويدفع حساباتها المالية تجاه تكوين فائض مالي، ولذلك فليس أمام الولايات المتحدة سوى إدارة عجزها التجاري.
وبدلاً من التدخل المباشر بهدف إضعاف التجارة العالمية وزيادة الاختلالات، ينبغي على واشنطن معالجة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في امتصاص رأس المال العالمي. وتلك هي الطريقة الوحيدة لعلاج العجز التجاري الأميركي.

بروفيسور إدارة الأموال بكلية غوانغوا في جامعة بكين – بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.