((الواقع الجديد)) الثلاثاء 24 يناير 2017
بقلم: محمد بن حسن السقاف
تتباهي وتتفاخر الأمم بأبنائها وتفرد لهم من صفحات تاريخها ما يرفع شأنهم ويخلد ذكراهم ويثبت حقوقهم العلمية والأدبية والمعنوية؛ فذلك جزء من حضارتها ووعيها، بل هو السفر الكبير في عيون الآخرين. وحضرموت – في حقيقة الأمر- هي أمة لوحدها، بل هي صانعة لبعض الأمم من خلال نماذج ممثلة لفطرة الإنسان المؤمن الذي هو أقرب ما يكون خلقا لما يحبه الله في حقب مختلفة، ورغم شح ذلك النبع والمعين الذي أضاء ما بين المشرق والمغرب وقلة صناعة تلك النماذج المثلى في وقتنا المعاصر بالمقارنة بما كان عليه الأسلاف؛ إلا أنه لاتزال تلك الأرحام الطاهرة التي أنجبت تلك الكواكب المضيئة، تتحفنا بين الحين والآخر بمكرمة إلهية تكون همزة وصل وتجديد قيم ومكارم بين السلف والخلف, ومن هذه النماذج عرفت حضرموت والعالم مؤخرا وعرفت شخصيا عدد من هؤلاء وهم كثر اعتز بقربي من بعضهم وملازمة بعضهم؛ فمن هؤلاء رجل جمع أطناب الفضيلة والمكارم واجتمعت إليه شاردها و واردها فكان عمودها و ذروة سنامها، ففيه تحققت معادلات عدة يصعب على كثير من أبناء الأجيال المتأخرة التزامها خاصة جيل أغرقته الماديات والترف والزخرف والغرور وغاص في أعماق أوحالها, فهؤلاء بعيدون حتى عن أطراف ما وصل إليه شيخنا بعفويته فهو زاهدا في غاياتهم وفيما يسعون إليه من تلميع إعلامي مدفوع الثمن واسع المنن, قصير الأفق عديم النظر. لقد جمع شيخنا الراحل كل فضلٍ وفضيلة وجسدها بسجية وعفوية في سلوكياته بلا تصنع أو تكلف، هذا هو شيخنا الوجيه سليل بيت العلم والفقه والإفتاء الشيخ المرحوم/ أحمد بن محمد باجنيد – غفر الله له و لأصوله وفروعه – نموذجاً من نماذج الأمة الحضرمية المجيدة؛ فقد كان سفيرا متوجا بإجماع لا نضير له لضمير حضرموت ماضيها وحاضرها تجتمع في حضرته الأضداد وبحكمته يتفق الخصوم ويتألفون بأدب وهدوء ووقار وكأنه ملك للقلوب و شيخ شمل قبائل عموم حضرموت وقاضيها, بل كل ذلك مجتمعا في شخصه. لقد أدرك تماما شيخنا رحمه الله أن نجاحه أعماله وتجارته الدنيوية الناجحة بفضل الله ماهي إلا تجارة للآخرة، لذا كان حرصه دؤوبا على الاستثمار الحقيقي لماقدم إليه اليوم بعد رحيله عنا, فقد بنى قواعد تجارته على أسس فقهية وأخلاقية مباركة عميقة وبعيدة الجذور و كرس و غرس هذه الصفات المثلى والسلوكيات القرآنية المحمدية في نجليه حسين ومحمد -بارك الله فيهما-، وبحكم قربي منه و منهما فقد شاهدت في ذلك ما أغبطهما عليه، فهنيئا لمن غرس ولمن حصد.أعتقد أنني لم ولن آتي هنا بجديد لمن يعرف الشيخ أحمد باجنيد و لمن لا يعرفه أنهي إليه فهو رجل الخير والمكارم والمضياف السخي و عميدة ندوة الوفاء وعضو مجلس أمناء جامعة الأحقاف وقد منح العديد من الدروع كما كرمه مركز ابن عبيدالله السقاف لخدمة التراث والمجتمع في حفل مهيب لاينسى وهو رجل النجدة والغوث لسائله بلهفة وحرص المستغيث والسائل و هو نموذج من رجال حضرموت الكمل و شخصية تستحق الوقوف والتأمل في سيرته الذاتية هو وأمثاله و مادة ثرية في قواعد و قانون ومفاهيم التربية والقيم الإسلامية التي تعد حجر الزواية في الأمن الروحي. والنفسي واستقرار ونماء وخير ومحبة وتكاتف المجتمعات وهذه السلوكيات التي سجية فقيدنا رحمه الله وسمته كفيلة بمعالجة الكثير من أهم معضلاتنا الخطيرة، فالسيرة الذاتية لهذا الرجل ومن مثله ليس تمجيدا لشخصهم أو لعرقهم ولكن فيها الكثير مما يتوجب تعلمه وتعليمه لأبنائنا ليكون لهم طوق نجاة من تحديات الواقع و طوفان المستقبل المجهول. ففي تلك السير سيجد أبناء حضرموت في مهدهم وفي مهاجرهم وعموم أبناء الجزيرة العربية كنوزا عظيمة من خلال سير أسلافهم العظماء، وهذه الشخصية الكريمة وسيرتها فهي غنية بما هو مفقود و ربما ما يعده البعض من الأساطير ولكنه واقع وحقيقة في هذا الرجل رحمه الله, علها تعود بهم إلى رشدهم ليسأل كل منهم نفسه ( من أنا ؟؟؟ ). و عزاؤنا في فقدان هذا السراج ليس لأسرته المكلومة فحسب بل لكل العقلاء والشرفاء والغيورين ولكل حضرمي و مسلم؛ وعزائنا في أن شيخنا قد ترك لنا في أنجاله النجباء أثرا وعملا صالحا و ذكرا باقيا يتفرع بعون الله من تلك الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت و فرعها في السماء إلى يوم اللقاء. رحمك الله أيها المعلم الغيور الوفي، رحمك الله هي دعوة سيدعو له بها كل من عرفه، و لمس و شاهد رجالا في رجل, لقد كان عنوانا للوفاء وعميدا لندوة الوفاء ومعلما للوفاء, ومقالي هذا عرفانا و وفاء من أمة الوفاء حضرموت في ابنها الذي انظم إلى كوكبة الأوفياء.