((الواقع الجديد)) الثلاثاء 3 يناير 2017م/المكلا
دائماً ما يؤكد علينا الأطباء الصيام قبل الخضوع لأي إجراء جراحي يستوجب التخدير، يشددون على ذلك ويكررونه، وربما لا يتركوننا حتى نكرر وراءهم ما طلبوه ليتأكدوا أن الرسالة قد وصلت دون أي لبس، كما أنه وقبل الخضوع للتخدير في يوم الإجراء الجراحي نجد التمريض والأطباء يعاودون السؤال في تفصيل شديد عن الصيام الذي صمناه، وعدد ساعاته، بل ونوع آخر طعام قد تناولناه.
* فما سبب تلك الأهمية التي يولونها للامتناع عن الطعام والشراب؟
التخدير يسبب حالة من غياب الوعي، يستتبع ذلك ارتخاء في أنسجة الممر الهوائي، وكذلك فقدان لردود الفعل اللاإرادية.
ما يهمنا في هذا الشأن أن المريض حال اليقظة حينما يتقيأ فإن ردود فعل الممرات الهوائية تعمل على طرد ذلك السائل المعدي، وما قد يحويه من بقايا غذاء وشراب خارجا، لكن في أحوال التخدير وغياب الوعي فالمريض يفقد ردود الفعل المنعكسة تلك كالسعال وغيره، مما قد لا يمكنه من طرد تلك المواد الغريبة حال وصولها للممرات الهوائية، وهو ما قد يسبب الكثير من المضاعفات الخطيرة جدا، والتي قد تنتهي لإصابات فادحة، وربما الوفاة.
* ما هي تلك المضاعفات؟
تختلف هذه المضاعفات باختلاف كمية المواد الغريبة التي وصلت للممرات الهوائية، وطبيعة هذه المواد، صلبة أم سائلة، وحجم تلك الصلبة، ودرجة حامضية المواد وتركيبها الكيميائي، وما إذا كانت تحوي خلايا جرثومية، وكذلك الحالة الصحية العامة للشخص.
– وصول تلك المواد للممرات الهوائية قد يمر بلا مضاعفات إذا ما كان بسيطا.
– لكنه قد يؤدي إلى ضيق في الشعب الهوائية، كما قد يؤدي إلى انسداد في الممرات الهوائية قد تصل إلى انسداد تام، واختناق يسبب الوفاة.
– المواد الحامضية (السائل المعدي) قد يؤدي إلى تدمير مباشر في الأنسجة، كما أنه قد يؤدي إلى ردود فعل التهابية ثانوية تالية.
– كما أن هذه المواد الغريبة التي تصل للممرات الهوائية قد تحوي بكتيريا، مما يسبب التهابات رئوية.
– كما أنها قد تؤدي إلى فشل تنفسي بل ربما يصل الأمر للوفاة.
* ما هي ساعات الصيام الواجبة قبل أي تخدير؟
ساعات الصيام الطويلة قد يكون لها مضاعفاتها فهي قد تحمل مخاطر الجفاف، وانخفاض معدلات سكر الدم، كما أن ساعات الصيام الأقل قد تحمل خطورة وجود بقايا في المعدة، والتي قد يتقيأها المريض حال غياب وعيه مع التخدير، لتصل إلى ممرات الهواء، وما يحمله ذلك من مضاعفات خطيرة.
لذا فتحديد ساعات الصيام في الواقع ينبني على مقارنة نسبية بين الفائدة، والمخاطرة الناجمة عن كل خيار.
وقد بات من المسلم به حاليا أن ست ساعات من الصيام عن الأطعمة الصلبة هو وقت كاف جدا من أجل معدة خالية من بقايا الطعام، كما أن تناول المشروبات الرائقة التي لا تحتوي على ألياف والمياه هو أمر مستحب وحتى ساعتين قبل العمليات، بل إنه قد ثبت أن تناول تلك السوائل، وحتى ساعتين قبل الإجراء الجراحي، أفضل من استعمال المحاليل الوريدية، إذ إن هذه السوائل لا تؤدي لزيادة البقايا المعدية، وتقل حامضيتها كذلك.
وعلى ذلك فيجب الامتناع عن الأطعمة الصلبة لمدة ست ساعات قبل الإجراء الجراحي، مع الاستمرار في تناول عصائر ومشروبات لا تحتوي أي ألياف وحتى ساعتين قبل الإجراء الجراحي.
* ماذا بالنسبة للأطفال الرضع؟
لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للأطفال الرضع، إلا أنه يجب التوقف عن إعطاء اللبن الصناعي، أو أي لبن من مصدر حيواني قبل الإجراء الجراحي بست ساعات، بينما يجب التوقف عن الرضاعة الطبيعية ولبن الأم لمدة أربع ساعات قبل الإجراء الجراحي.
* هل هناك توصيات بصيام خاصة لمرضى معينين؟
هناك بعض المرضى الذين يعانون من تأخر في تفريغ المعدة، وهو ما قد يكون مصحوبا بكمية أكبر من بقايا الطعام في المعدة، والتي قد تبقى لوقت أطول، كما أن أمراضهم تلك تكون مصحوبة بزيادة في احتمالية وصول ما تحويه المعدة إلى ممراتهم الهوائية.
كمرضى ارتفاع سكر الدم، والارتجاع المعدي المريئي، والانسداد المعوي، وأورام الجهاز الهضمي، والحمل، وإصابات الرأس، وغيرها من الظروف والأمراض.
البعض قد يجتهد في تحديد ساعات أطول لهم للصيام أو يعتبرهم عند تخديرهم من أصحاب المعدة الممتلئة، ويتعامل معهم على هذا الأساس، وهو ما سيأتي ذكره لاحقا، أو يستعمل معهم أدوية ووسائل تساعد في تفريغ المعدة سنأتي على ذكر بعضها لاحقا، لكن لا توجد حتى اللحظة توجيهات علمية مؤكدة بساعات أطول للصيام في مثل هذه الحالات مبنية على تجارب سريرية واضحة ومؤكدة.
* ماذا بخصوص مرضى المعدة الممتلئة؟
لا شك أن بعض الإجراءات الجراحية قد تكون طارئة وعاجلة مثل مرضى الحوادث والنزيف وغيرها، وهو ما يكون طبيب التخدير معه مجبراً على تخدير المريض دون انتظار ساعات الصيام المقررة، لأن الإجراء الجراحي في مثل هذه الحالات قد يكون منقذا للحياة.
في هذه الحالات يلجأ طبيب التخدير إلى استخدام تقنيات – لا مجال لذكرها هنا – تمكنه من وضع ما يسمى بالأنبوبة الحنجرية سريعا، وهو أنبوب يصل المريض بجهاز التنفس الصناعي ويوضع في قصبته الهوائية، هذا الأنبوب الحنجري يحتوي على بالون عند نفخه تغلق المسافة بين جدار القصبة الهوائية والأنبوب، مما يمنع وصول أي قيء للممرات الهوائية.
هذه التقنيات والوسائل تقلل جدا من احتمالات وصول بقايا الطعام للممرات الهوائية لكنها لا تمنعها تماما لذا يجب استخدامها فقط عند الحاجة والضرورة.
* هل هناك وسائل أخرى قد تقلل من وصول بقايا الطعام للممرات الهوائية؟
بالفعل هناك بعض الوسائل والأدوية التي تقلل من وصول بقايا الطعام للممرات الهوائية، مثل:
– مضادات الحموضة التي تقلل من حامضية المعدة وما تحتويه، وبالتالي تقلل من تأثيراتها الضارة إذا ما وصلت للممرات الهوائية.
– هناك كذلك مغلقات مستقبلات الهستامين، ومثبطات مضخات البروتون فهي كذلك تقلل من حامضية السائل المعدي.
– هناك كذلك أدوية تعمل على تسريع حركة الأمعاء، وبالتالي تفريغ المعدة مثل الميتوكلوبراميد وغيره، وهي أدوية قد يستخدمها طبيب التخدير من أجل ذلك الغرض.
وهكذا فالصيام قبل الإجراء الجراحي أمر في غاية الأهمية ويقي من كثير من المضاعفات الخطيرة ولا يجب التهاون فيه بأي حال من الأحوال .