“الواقع الجديد” الأثنين 22 نوفمبر 2021م/ سوث 24
قادت المرحلة السابقة من عمر الحرب اليمنية، إلى مستجدات يمكن وصفها بـ “الهامة”، انعكست إلى حد ما على آلية تعاطي المجتمع الدولي ودوله الكبرى مع الأطراف الفاعلة في اليمن، وبدرجة أساسية في الجنوب.
تَشكلّ هذا التعاطي في ضوء مآلات الحرب وسير المعارك بين الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي وبين الحوثيين، من جهة، وفي ضوء انسداد الأفق الذي صاحب جهود عملية السلام “المتعثرة” التي قادها المبعوثون الأمميون والمبعوث الأمريكي الخاص لدى اليمن، وغيرها من جهود الوساطة والمبادرات الخليجية، من جهة أخرى.
بالنسبة للمراقب المحلي في اليمن، وعلى الأخص الجنوبي، كان يُفترض أن تكون هذه التغييرات في مسار الجهود الدولية قد جاءت في وقت مبكر، تعبيرا لحقيقة الواقع الذي فرضته الأطراف على الأرض، فضلا عن طبيعة القضايا ذي الجذور الطويلة، كقضية جنوب اليمن أو ما يعرف بـ “القضية الجنوبية”، الأمر الذي كان سيحد على الأقل، إن لم يكن يمنع، سلسلة الإخفاقات العسكرية والاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي والإنساني للمواطنين، وتعاظم تهديدات الجماعات “الإرهابية”.
ليس من اليسير أن تتبلور لدى صانع القرار الدولي، نظرة مختلفة للوقائع على الأرض، في ظل جهود حثيثة تبذلها جهات سياسية ودبلوماسية وإعلامية لتحريف الوقائع أو تسطيحها بهدف البقاء في دائرة العلاقات التقليدية، وإطالة أمد الحرب، واستثمارها لتوسيع التكسب المادي والعسكري لبعض الأطراف المحلية والإقليمية والالتفاف على حلول القضايا المركزية.
إنّ طبيعة التهديدات التي تشكلها جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، للأمن المحلي الإقليمي والدولي، كما يتهمها بذلك التحالف الذي تقوده السعودية، تعزز من ضرورة إيجاد شركاء محليين قادرين على إبقاء المصالح الدولية في مأمن. لربما تبدّت تلك التهديدات، في إصرار الجماعة على رفض جهود السلام الدولية، والسعي نحو اقتحام، مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة في شمال اليمن، أو الإفراط في استخدام أسلحة، يزعم أنها إيرانية، في هجمات جوية طالت منشآت عسكرية ومدنية ومرافق عامة في الداخل اليمني وفي المملكة العربية السعودية، فضلا عن تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
من المعروف أنّ قوات التحالف التي تقودها السعودية لن تبقى إلى ما لا نهاية في اليمن. لقد سحبت السعودية بالفعل معظم عتادها العسكري والبشري من مدن عدن وشبوة والمهرة وحضرموت في جنوب اليمن، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. كما أنّ دول التحالف كالسعودية والإمارات، لن تستطع إبقاء نفوذها السياسي الذي يوفّر لها قدر من الأمان الاستراتيجي، سواء فيما يتعلق بالحدود البرية مع السعودية أو حركة الملاحة البحرية، دون إيجاد شركاء موثوقين.
هناك من قرأ الدعوة السعودية لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، لزيارة الرياض، في هذا السياق الاستراتيجي. (1)
وكانت كبرى مدن جنوب اليمن، عدن، قد شهدت خلال الأسابيع الماضية جهود دبلوماسية وحراكا دوليا تمخض بعدد من اللقاءات “البناءة” (2) مع حكومة اتفاق الرياض والمجلس الانتقالي الجنوبي، أهمها زيارة سفراء الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي والوفد الأمريكي إلى المدينة.
لذا يمكن القول أنّ طبيعة هذا التحوّل الاستراتيجي في التعاطي مع الأطراف الفاعلة في اليمن، تعززه، أيضا، جلسة المباحثات التي عقدها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، اليوم الاثنين في الرياض. وتنبع أهمية اللقاء من:
أولا: هو الأول بهذا المستوى الرفيع للمجلس الانتقالي الجنوبي مع الخماسية الدولية الكبرى داخل مجلس الأمن.
ثانيا: يتواكب مع تطورّات لافتة على الساحة العسكرية، خصوصا في الساحل الغربي لليمن، على البحر الأحمر.
وعلى الرغم أنّ المعارك التي تقودها القوات المشتركة (تشكل ثقلها الأكبر قوات العمالقة الجنوبية)، الآن جنوب شرق الحديدة، لا تزال لم تتضح طبيعة أهدافها، إذا ما كانت فقط تأتي للحيلولة دون سيطرة الحوثيين على مأرب، وبالتالي يمكن اعتبارها بـ “حقنة” محفّزة فوق طاولة تقاطعات سياسية وطبخات لا علاقة لها بتحرير صنعاء، أو أنها بالفعل خطوة استراتيجية تمهّد لتغيير مسار المعارك يمكن أن تقود لتحولات سياسية جذرية.
ثالثا: أنّ اللقاء يضم “أقطاب” دولية متعددة تختلف وتتفق رؤاها للأزمة اليمنية وجذورها وحلولها النهائية التي قد تفضي لها أي عملية سلام. لكنها تشترك في ضرورة الحوار وإشراك جميع الأطراف من ذوي المصلحة في أي مفاوضات سياسية ترعاها الأمم المتحدة.
وبالتالي، فإنّ نتائج هذا اللقاء، مرتبطة بمدى قدرة المجلس الانتقالي الجنوبي على تسويق أجندته السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، والإنسانية، وتقديم رسائل متوازنة، تزيل كثير من الالتباس الذي صنعته آلة خصومه السياسية والإعلامية، خلال السنوات الماضية.
يُمكن القول إنه وبالإضافة إلى تعثرّ جهود السلام حتى الآن، واستمرار “استفزازات” (3) الحوثيين للمجتمع الدولي، كاقتحام مجمع السفارة الأمريكية في صنعاء واعتقال عشرات موظفيها المحليين، وتوسّع أعمال الانتهاكات الإنسانية بحق المدنيين، والتحديات الاقتصادية التي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة المناصفة، وعودة نشاط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وإخفاق القوات الموالية للحكومة في شبوة وبعض مناطق مأرب، قد دفعت، على الأرجح، بعض الأطراف الدولية لإعادة قراءة المشهد بشكل مختلف إلى حد كبير. ويأتي في مقدمتها، ضرورة استكمال تنفيذ اتفاق الرياض وتعاون طرفيه على إنجاح جهود الحكومة في انتشال الأوضاع الاقتصادية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين والحد من الانهيار المستمر للعملة.
إياد قاسم
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات