الجمعة , 29 مارس 2024
dr-abdullah-al-radadi

الحرب الاقتصادية… صعبة قوية

((الواقع الجديد)) الاثنين 5 مارس 2018

د. عبدالله الردادي

ما إن بدأت أسواق الأسهم العالمية بالتعافي من هبوطها الأخير، حتى عادت للنزول مرة أخرى بنسبة 204 في المائة، وهذه المرة السبب واضح، وهو حرب كلامية متبادلة بين الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، هذه الحرب التي قد تؤدي بشكل جدي إلى بداية حرب اقتصادية بين الطرفين.

بدأت هذه الحرب بعد القرار الأميركي زيادة التعرفة الجمركية على واردات الصلب بنسبة 25 في المائة، والألمنيوم بنسبة 10 في المائة، مما قد يؤدي إلى تأثر الصادرات الأوروبية بشكل سلبي. ولمعرفة حجم هذه الصادرات، يكفي معرفة أن الصادرات الإيطالية وحدها للولايات المتحدة تقترب من 6 مليار يورو سنوياً، ما بين الصلب والألمنيوم. وما إن أعلنت الإدارة الأميركية هذا القرار، حتى رد الاتحاد الأوروبي رداً قاسياً، موضحاً أنه سيكوّن قائمة مما يقارب 100 منتج أميركي، بما فيها الحديد والمنتجات الزراعية والغذائية، وسيزيد التعرفة الجمركية على هذه المنتجات بعد القرار الأميركي، بما لا يزيد عن 90 يوما، في خطوة وصفت بأنها خطوة ثأرية. ولم يكن الرد الأميركي أقل قسوة من نظيرة الأوروبي، حيث رد الرئيس الأميركي بعدة تغريدات على موقع «تويتر»، كانت مزيجاً عجيباً من السخرية والإقدام، صرح فيها بأن الحرب الاقتصادية «جيدة»، بحسب وصفه، وأن الفوز فيها سهل.

ومما يثير الاستغراب أن الولايات المتحدة – بزيادة التعرفة الجمركية – استهدفت الصين بشكل أساسي أكثر من أوروبا، إلا أن ردة الفعل الأوروبية كانت عنيفة. وقد يبرر للرئيس الأميركي هذا الموقف بمعرفة بعض الحقائق، أولها أن الاتحاد الأوروبي نفسه سبق أن فرض زيادة للتعرفة الجمركية على الحديد الصيني، وهو القرار نفسه الذي اتخذته الرئاسة الأميركية. ووضح الرئيس الأميركي كذلك أن الاتحاد الأوروبي يفرض ضرائب عالية على السيارات الأميركية، مما يقلل من مبيعاتها في أوروبا بسبب سعرها المرتفع المترتب على الضريبة العالية، ولا شك أن في تصريحه مزيجاً آخر بين التهور والإقدام، حين صرح بأن الولايات المتحدة قد تمنع استيراد السيارات الأوروبية لبلدها، في حال مضت أوروبا قدماً في رفعها للرسوم الجمركية. والواقع أن الولايات المتحدة أقلل تزمتاً، واقتصادها أكثر انفتاحاً من نظيره الأوروبي أو الياباني أو الصيني، إلا أن المنظور العام والأسلوب المستشف من تصريحات الرئيس الأميركي لا يخدمه تأييد الرأي العام، وإن كان لا ينتظر تأييداً من أحد، كما هو واضح. وبعيداً عن اللغة المستخدمة في تصريحاته، فإن ترمب لم يتخذ قراراً لم يتخذه الأوروبيون قبله، فلم كل هذا اللوم عليه وقد مشى على خطاهم؟

بالمقابل، فإن التعرفة الجديدة قد لا تخدم الولايات المتحدة في وجوه عدة: أولها أن الرئيس الأميركي يزعم أن هذه الواردات – بثمنها المنخفض – تضر بالشركات الأميركية، وتقتل المنافسة بينها وبين أقرانها من الشركات غير الأميركية، وبذلك فإن دخولها للأسواق الأميركية يضر بالعامل الأميركي، ويؤثر سلباً على عدد الوظائف المتوفرة للأميركيين. والواقع يؤكد أن عدد الموظفين الأميركيين في المصانع المستفيدة من الصلب غير الأميركي أكثر من عدد الموظفين في قطاع التعدين في أميركا. وعليه، فإن المتضررين من هذا القرار أكثر من المستفيدين منه في القطاع الصناعي.

والوجه الثاني هو إحجام بعض الشركات غير الأميركية عن المضي في مشاريعها في الولايات المتحدة. فالرئيس الأميركي سعى بشكل كبير لجلب استثمارات أجنبية للولايات المتحدة، وهو بأسلوبه هذا ينسف كل ما بناه لجلب هذه الاستثمارات. وقد صرحت شركة سويدية تختص بالأجهزة المنزلية بإيقافها مشروع إنشاء مصنع في أميركا – رأسماله يفوق 250 مليون دولار – بسبب عدم تأكدها من مستقبل الاقتصاد الأميركي. وهذا الإحجام من الشركات غير الأميركية لا يخدم بتاتاً خطة ترمب في توفير الوظائف للمواطنين الأميركيين.

والحرب الاقتصادية لا تخدم أحداً، والفوز بها ليس سهل المنال، كما صرح الرئيس الأميركي، والجميع متضرر منها، بحسب وصف منظمة التجارة العالمية، التي اتضح أن دورها ضعيف جداً في هذه اللعبة الاقتصادية السياسية. ومن حق الإدارة الأميركية البحث عن مصالحها في تبادلها التجاري مع دول العالم، وهو تبادل يتسم بالعجز مع كثير من كبريات دول العالم، إلا أن المستغرب في هذه القرارات هو الشراسة بين الطرفين الأميركي والأوروبي، وقد لا يستبعد من الرئيس ترمب تقصّده لهذه الشراسة حتى يكسب شعبية أكبر، بعد انخفاض شعبيته في الشهر الأخير، لا سيما أنه يجيد اللعب على حبل الشعوبية الذي أكسبه الكثير من جماهيريته. والطرفان الآن في تحد حقيقي بين البحث عن مصلحتهما بشكل عقلاني بعيداً عن الصدامية، وعلى الأطراف الأخرى الاستفادة من هذا الصدام الذي سينشئ فرصاً تجارية جديدة تبحث عمن يستغلها.

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.