الخميس , 28 مارس 2024
adeldarwish

كذب «الخبراء» ولو صدقوا؟

((الواقع الجديد)) الاحد 7 يناير 2018 

عادل درويش

تقليد مع مطلع كل عام جديد؛ الصحافة، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية، تتسابق في رصد وتحليل أحداث العام الفائت، والتنبؤ بأحداث العام الجديد. ولسنوات يصعب حصرها والمؤسسات الصحافية الكبرى كـ«بي بي سي» تحشد الخبراء في المجالات كافة للتنبؤ بأحداث العام، وينتهي العام بخطأ معظم التنبؤات ليعاود الخبراء أنفسهم الكرّة، ليكذب الواقع التوقعات في جهد سيزيفي.
منذ عام قدمت شبكة «سكاي» الإخبارية خبيراً مالياً من «غولدمان ساكس» برسوماته البيانية المعقدة، ودوائر مقسمة، ليحذر بأن الإسترليني (كانت قيمته وقتها ما بين دولار و22 ودولار و25 بنساً) سيتراجع بمقدار 9 في المائة إلى أقل من دولار و14 بنساً. فماذا حدث بعد عام؟ زادت قيمة الجنيه الإسترليني بأكثر من 10 في المائة وقيمته دولار و36 بنساً ساعة كتابة هذه السطور.
خبير آخر من «مورغان ستانلي» في «بي بي سي» توقع انهيار البورصة والأسواق المالية بمقدار الخمس أو الربع، لكن الأسهم ارتفعت 8 في المائة مع نهاية العام.
صندوق النقد الدولي ومديرته كريستين لاغار، قالا بثقة مفرطة: «إن الاقتصاد البريطاني سيتراجع، ويتجمد النمو بالخروج من الاتحاد الأوروبي».
في 2017 كان معدل نمو الاقتصاد البريطاني قرابة اثنين في المائة (1.9 في المائة) بينما منطقة اليورو 1.38 في المائة، ومعدلات البطالة في أدنى مستوى لها لستة عقود والأقل في أوروبا. مجلة «فوربس» وضعت بريطانيا في المركز الأول في مقصد الاستثمارات الأجنبية وارتفاع العائد، والاقتصاد هو خامس أقوى اقتصاد عالمياً، ويتفوق على فرنسا.
تنبأ الخبراء بتراجع اقتصاد بلدان التجارة الحرة خلال 2017 بسبب انتخاب دونالد ترمب رئيساً لأميركا، لكن نما اقتصاد بريطانيا، وبمعدل 2.2 في المائة في أميركا و6.2 في المائة في الصين.
أي أن اقتصاد 2017، رغم أنف الخبراء هو الأقوى منذ الأزمة المالية المصرفية في عام 2008.
الملاحظ، أن الخبراء الماليين والاقتصاديين، الذين جاءت توقعاتهم معاكسة تماماً لما حدث بـ180 درجة، كلهم – بلا استثناء – ينتمون إلى معسكر «البقائيين» (رافضي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). وبينما معظم «الخروجيين» هم بريطانيو الجنسية، وكذلك المؤسسات والمنشآت والاستثمارات، فإن «البقائيين» موزعون على البلدان الأوروبية المستفيدة من وجود بريطانيا في الاتحاد، ينتشرون في المؤسسات الدولية العالمية سواء منظمات دولية أم بيوت مال واقتصاد واستثمارات، والبريطانيون منهم، كتوني بلير، يعملون في مؤسسات دولية. ملحوظة أرجو أن يضعها القارئ في اعتباره عندما نستخلص حكمة من سرد الأمثلة.
وماذا عن اعتراف مجموعة من يسمون أنفسهم بعلماء البيئة في تقرير في خريف 2017 أن توقعاتهم عن ظاهرة الاحتباس الحراري كانت خاطئة ومبالَغاً فيها؛ لأن المعلومات التي كانوا يغذون بها البرامج الكومبيوترية للأرصاد الجوية كانت مغلوطة، أو مصممة للحصول على نتائج؟
في 2017 كفّت الصحافة اليسارية عن استخدام تعبير «الاحتباس الحراري» أو تسخين الجو العالمي، واستبدلوه بتعبير «التغير المناخي». فالتغير المناخي حقيقة واقعة مسجلة، حتى من قبل تجمع السلالات الإنسانية في مدن صناعية، وقبل استخدام وسائل النقل للتجارة واكتشاف الفحم واختراع محرك البخار. فالتقارير أثبتت أن العالم يبرد لا يسخن، بلا تأثير من النشاط الإنساني الذي يتقزم أمام تأثير ثورة بركان على الجو. وبدلاً من تغيير المضمون ليعكس الحقائق في الصحافة المهووسة بالتغير المناخي والبيئة من اتهام النشاط الإنساني، والاستعانة بأدوات علمية وتصحيح بيانات البرامج الكومبيوترية، فإن «الخبراء» استمروا في تضليل الرأي العام باستبدال «الاحتباس الحراري» بـ«التغيير المناخي». واستمروا في إلقاء اللوم على النشاط الإنساني وضرورة تغيره بفرض الضرائب على الناس.
آخرها فرض رسم خمسة شلنات على كل قدح قهوة إذا لم يحمل الشخص وعاءً من منزله لحمل القهوة «التيك أواي». أي يصبح «ستاربكس»، و«نيرو» مثل بائع الفول بعربته في خمسينات القرن الماضي، ويحمل الصبية طاسة أو سلطانية لملئها بفول قيمته قرش صاغ!
صاحب الاقتراح، لجنة البيئة والتغير المناخي في مجلس العموم، بتوصيات «مجموعة خبراء» وظفتهم اللجنة، أفتوا بأن أكواب القهوة «التيك آواي» يصعب إعادة تدويرها؛ لأنها مغلفة بطبقة بلاستيكية.
ألم يخطر ببال «الخبراء» أن في قدرة لجنة (من نواب برلمانيين مهمتهم تشريع القوانين) البدء بتشريع قانون ملزم بتصنيع الأكواب وأكياس حمل المشتريات من مواد عضوية كالورق المقوى، وألياف السليلوز، يسهل تدويرها أو تتحلل إلى سماد زراعي؟
خبراء السياسة توقعوا – خطأً – سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتصويت البريطانيين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، وعودة المحافظين بأغلبية ساحقة في انتخابات 2017، وفوز هيلاري كلينتون بانتخابات الرئاسة الأميركية. وعندما فاز دونالد ترمب، أفتوا في مطلع 2017 بتراجع البورصات والنمو الاقتصادي وانهيار الدولار، وعجز الرئيس الجديد عن إقناع الكونغرس بتمرير مشاريع قوانينه؛ وحدث العكس تماماً!
وعودة لخلاصة أن جميع «الخبراء» المتوقعين بسلبيات مالية واقتصادية كانوا من تيار «البقائيين» لملاحظة انتمائهم إلى مجموعة تفكر بطريقة مماثلة، وهي أحد أهم أسباب الاستمرار السيزيفي في خطأ توقعات الخبراء كل عام.
فالانتماء إلى مدرسة معينة، في الاقتصاد، أو السياسية، أو الاجتماع أو التاريخ أو الفنون، والثقافة يلوّن النظرة للأمور بلون عدسة المنظور المتوفر للمجموعة. كما يجعل الخبير أسير الأسلوب الذهني لهذه المدرسة، ويستخدم أدوات التحليل المتوفرة للمجموعة. وسواء، عن وعي أو في العقل الباطن، فإنه يخشى من التحليق خارج السرب؛ لاحتمال بعده عن تلقي إشارات البوصلة الجماعية للسرب، أو الخوف من أن التحليق في اتجاه مخالف يحرمه من الحماية التي توفرها الجماعة، أو ببساطة الخوف من قطع الرزق.
تحليل إحصائيات لجنة الصحافة والثقافة والرياضة البرلمانية للمشاركين في برامج شؤون الساعة في الشبكات التلفزيونية المتعددة تشير إلى مشاركة ضعفي الخبراء من «البقائيين» مقارنة بـ«الخروجيين»؛ أربعة أضعاف مروجي مسؤولية الإنسان عن الاحتباس الحراري مقارنة بالمشككين فيه.
الملاحظ اعتماد «الخبراء» على الـmodule، أو البرامج النمطية في تحليل المعلومات (كحال خبراء أكواب القهوة مثلاً فقالبهم النمطي معالجة الأعراض لا المرض نفسه)، وبالتالي فاستخدام قوالب العام الماضي (2015 أعطتهم نتائج 2016 الخاطئة كاستفتاء الاتحاد الأوروبي وترمب) في العام الحالي ستؤدي إلى نتائج مشابهة في العام التالي. وربما كانت هناك نماذج جديدة لعام 2017، لكننا لم نعرف عنها لأن المؤسسات الصحافية الضخمة المسيطرة على الرأي العام لجأت للخبراء أنفسهم الذين أخطأوا في تقديرات 2017 فمن المتوقع أن يخطئوا في 2018 أيضاً.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.